تسمية 1

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

سلسلة : نظرية التطور ، رؤية نقدية (6) التدليس في المصطلحات



التدليس في المصطلحات


قمنا حتى الآن بوضع تعريفات لمصطلحات النوع والتطور الصغير والتطور الكبير حسب وجهة نظر العلماء المؤمنين بالخلق ، فدعونا ننظر كيف يقوم العلماء التطوريون بتعريف هذه المصطلحات .
في الواقع موقف التطوريين ليس على ما يرام ، هم لديهم جبال من الأدلة على التطور الصغير لكنهم لم يسبق لهم رصد التطور الكبير ، وبالتالي فهم لا يملكون دليلاً على التطور الدارويني . هذه مشكلة عويصة للقوم ، فإنه إذا لم يوجد دليل على التطور الكبير ، فلا يوجد دليل على نظرية داروين ، فإنه لم تسبق مشاهدة التطور الكبير إطلاقًا من قبل سواء في الطبيعة أو في المعمل مما يعني أن التطور الحقيقي لم تسبق رؤيته في أي مكان .
ما رصده ولاحظه العلماء في هذا الصدد ينحصر في شيئين : الشيء الأول هو طفرات جينية لا تؤثر على تركيب الحمض النووي ، أي: لا تؤدي إلى نشوء جينات جديدة ، وفي بعض الأحيان تؤدي هذه الطفرات إلى بعض الميزات في الصراع من أجل البقاء ؛ والشيء الثاني هو التطور الصغير . لكن لا شيء منها قادر على تفسير التطور الدارويني ؛ لأن الأخير يتطلب النشوء العشوائي لملايين الجينات المعقدة إلى أقصى درجة والتي تحمل شفرات معقدة إلى أقصى درجة ، بينما لم يشهد العلماء أي جين جديد نشأ عن طريق التطور أصلاً ، ولم يروا شريط الحمض النووي يزداد طولاً بإضافة جينات جديدة إطلاقًا .
فعلم الأحياء التطوري إذن في أزمة ، فليس لديهم دليل علمي على صحة نظرية التطور ، إذن ما العمل ؟ كيف يقنعون طلبة العلوم وغيرهم بأن نظرية التطور حقيقة بينما لا يوجد دليل علمي واحد ولا مشاهدة علمية واحدة للتطور الكبير ؟ الحل هو دفن الحقيقة ، الحل هو ممارسة الخداع عن طريق التلاعب بالمصطلحات والتعريفات ، ولننظر كيف قام هؤلاء القوم بهذه الممارسات .

(1)    جعل التطور مصطلحًا مائعًا
سعينا في هذه السلسلة من المقالات إلى بيان الفرق الشاسع بين التطور الصغير والتطور الكبير . لهذا قام التطوريون بجعل مصطلح التطور مصطلحًا مائعًا يصلح للمعنيين ، فقد يشير إلى التطور الصغير وقد يشير إلى التطور الكبير . حسبما اتفقنا فإن المصطلحين يعنيان شيئين مختلفين تمامًا ، لكن التطوريين يستعملون للاثنين نفس المصطلح : التطور . وهذا يعطيهم مرونة كبيرة عند الكلام عن التطور ، فقد يتكلمون عن التطور الصغير أو الكبير وهم يقصدون الداروينية والتطور الدارويني . هذه الميوعة في الاصطلاح تجعل المصطلح يعني شيئًا ما في وقت ، ثم في الدقيقة التالية يعني شيئًا مختلفًا تمامًا ، هذا الغموض غير القابل للسيطرة والتوقع مقصود ، فأنت لن تعرف ما الذي يقصده المتكلم التطوري حقًا عندما ينطق كلمة "التطور" ، وبالتالي لن يقدر طلبة العلوم والأحياء على اكتشاف الحقيقة أو تحديد موطن الخلل ، وهذا لأن المصطلح المائع قد يعني التطور الصغير أو التطور الكبير .
مثلاً إذا كان موضوع الكلام هو عصافير داروين Darwin's finches وأنهم أدلة على وقوع التطور في الطبيعة ، بل هم في الحقيقة من أيقونات نظرية التطور ، ففي هذه الحالة يتمك استخدام مصطلح التطور بغض النظر عن حقيقة الموضوع ، وبهذه الطريقة سيظل الطلبة متعلقين بنظرية التطور وأنها تملك أدلة علمية على صحتها .
وفي هذا نحن نرى أنه لا غضاضة في استخدام مصطلح التطور ليشير إلى التطور الكبير باعتبار أنهما يعنيان نفس الشيء ، لكنه من الغش والتدليس أن يتم استخدامه ليشير إلى التطور الصغير الذي يحمل معنى مغايرًا تمامًا .
فأهم وأخطر جانب في هذه الحيلة الخداعية هو أن مصطلح التطور صار يستعمل للإشارة إلى التطور الصغير الذي يخالفه في المعنى عند الكلام عن أمثلة على صحة الداروينية ونماذج حقيقية واقعية ، وهذا من أبشع التدليس والغش والتضليل الذي يمارسه القوم في الحقيقة .
يتكلمون عن التطور كمصطلح بديل عن التطور الصغير لأنه توجد أمثلة عديدة جدًا ولا حصر لها على التطور الصغير ، ولأنه قد وقع وحدث وعليه شواهد وأمثلة وأدلة لا يمكن منازعتها ، إذن فالتطور الدارويني حقيقة ووقع وحدث وعليه شواهد وأمثلة وأدلة لا يمكن منازعتها ، ما رأيكم في هذه الخدعة ؟

(2)    التجاهل التام لمصطلحات التطور الكبير والتطور الصغير
أفضل طريقة لعدم التورط في استعمال مصطلح التطور بدلاً من التطور الصغير هو إلغاء مصطلحات التطور الصغير والتطور الكبير من القاموس ! لا تؤدي هذه الطريقة إلى جعل مصطلح التطور مصطلحًا مائعًا فحسب ، بل تعمل كذلك على تجاهل المصطلحات الصحيحة وإقصائها .
مصطلحات التطور الصغير والتطور الكبير مصطلحات دقيقة ومحددة ومرتبطة بتركيب الحمض النووي . رغم هذا لا يسمع عنها طلاب العلوم ، بل يسمعون فقط عن التطور خصوصًا عند الكلام على أمثلة التطور الصغير مما يجعل الطلبة يقتنعون بالداروينية .
مصطلحات التطور الصغير والتطور الكبير كانت ستؤدي بالطلبة إلى التساؤل والتشكك في الداروينية ، لهذا كان لابد من تجاهلها وإقصائها تمامًا ، خصوصًا مصطلح التطور الصغير .

(3)    التظاهر بأن التطور الصغير والكبير يعنيان نفس الشيء
لأن العلماء المؤمنين بالخلق يواظبون على استعمال مصطلحات التطور الصغير والتطور الكبير ، فإن التطوريين لم يتمكنوا من التجاهل التان لهذه المصطلحات وأصبحوا مضطرين إلى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذين المصطلحين ، وعندها كان منهجهم هو التظاهر بأن كل من التطور الصغير والكبير يعنيان نفس الشيء ، وهذا هو مسلكهم في التهرب من هذا الإشكال الجوهري .
كنا قد تكلمنا في مقال سابق عن تناولهم المراوغ والسخيف لمصطلح النوع ، وأنه بهذا المسلك لا يعود هناك أي معنى للتطور الصغير والتطور الكبير ، وعليه فيمكنهم الزعم بأنهما نفس الشيء . بكلمات أخرى ، كيف يمكن وضع تعريف دقيق ومحترم للتطور الصغير والتطور الكبير دون وجود تعريف للنوع ؟ لهذا لا غرو أنهم يزعمون أن التطور الصغير والتطور الكبير يعنيان نفس الشيء . لكن هل هما فعلاً كذلك ؟ لقد فصلنا هذا الموضوع تفصيلاً في المقالات السابقة ، ورغم أنه من الواضح أنهما لا يعنيان نفس الشيء إلا أنه يتم التعامل معهما رسميًا كنفس الشيء !!
دعونا نقتبس كلام الملحد التطوري الشهير ريتشارد دوكينز Richard Dawkins بخصوص هذه القضية :

حسنٌ ، لابد أن أشير إلى التفرقة المزعومة بين التطور الكبير والتطور الصغير ، وأنا أقول "مزعومة" لأن وجهة نظري أن التطور الكبير (التطور على مدار ملايين السنين) هو ما نحصل عليه عندما يعمل التطور الصغير (التطور على نطاق دورات حياة الأفراد) لملايين السنين ... أنا لا أجد أي سبب وجيه للشك في هذه المقولة : التطور الكبير هو عبارة عن العديد من قطع التطور الصغير بعد ضمها إلى بعضها البعض على مدار الزمن الجيولوجي واكتشافها بواسطة الحفريات بدلاً من العينات الجينية .[1] ا.هـ.

لاحظ أنه يستعمل مصطلحات التطور الصغير والتطور الكبير دون أي إشارة لمعنى مصطلح النوع ، بمعنى آخر هو يظن أنه إذا حصل على العديد من الأمثلة على التطور الصغير التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى زيادة حجم أو طول الحمض النووي مهما كان عددها ، سوف يصل في النهاية إلى وقوع زيادة في طول وتعقيد الحمض النووي !
كيف يمكن لصفر + صفر + صفر + صفر + ........ +صفر من النيوكليوتيدات الإضافية والجينات الإضافية أن تساوي 3 بليون نيوكليوتيدة ؟! هذه فضيحة رياضية بكل المقاييس !
لكن الحقيقة أنه لو لم يكن لديك إلا تطور الصغير لملايين السنين وبدأت بكائن دقيق وحيد الخلية ، فسوف تحصل في النهاية على كائنات دقيقة عديدة لكنها كلها لها نفس تركيب الحمض النووي ونفس عدد الجينات ونفس طول الحمض النووي ، بمعنى آخر ستكون كل الكائنات عبارة عن سلالات مختلفة من نفس هذا الكائن الدقيق وحيد الخلية . لكن دوكينز على ما يبدو لا يعرف أنه مهما كان طول الزمن فإن مجموع الأصفار لن يصل أبدًا إلى 3 بليون تيوكليوتيدة .
التدليس من خلال المصطلحات وسيلة ماكرة لجعل الناس يعتقدون صحة نظرية التطور ، لكنها في النهاية ليست إلا كذبة ! التطور الصغير والتطور الكبير عبارة عن شيئين مختلفين ، أحدهما حقيقة والآخر زائف ، لهذا عندما يزعم أحد التطوريين أنهما نفس الشيء فهو يرتكب خطيئة كبرى في جناب العلم وفي جناب الحقيقة .

(4)    الخلاصة
أول خطوة في إقناع الناس بصحة الداروينية هي الزعم بأن التطور الصغير والتطور الكبير يعنيان نفس الشيء أو أن التطور الكبير ليس إلا مجموع العديد من أمثلة التطور الصغير . هذا سمح للتطوريين أن يقوموا بإقصاء هذين المصطلحين من كتبهم . وبهذا صار مصطلح التطور يستعمل عند الكلام على أمثلة التطور الصغير ، والحقيقة أن الغرض الرئيسي من كل هذه الأساليب الخادعة هو أن يوضع مصطلح التطور في محل التطور الصغير عندما لا توجد أمثلة على التطور الكبير . القوم يريدون إقناع الناس بصحة نظرية داروين وهذا غير ممكن إذا استعملوا مصطلح التطور الكبير لأنه لا توجد عليه أي أمثلة تم رصدها أو من الممكن تكرارها ، وهم لا يريدون استعمال مصطلح التطور الصغير وحده لأنه سيثير تساؤلات حول كفاية التطور الصغير لتفسير نشوء الأنواع الجديدة . لأجل هذا كله هم يستعملون مصطلح التطور بدلاً من هذين المصطلحين ، وبهذه الطريقة لن يكتشف أحد الخدعة الكبيرة التي وقعوا فيها . وبالطبع فإن التعريف غير الموجود لمصطلح النوع يقدم لهم خدمة كبرى في هذا الصدد .
وبناء على هذا كله يستطيع التطوريون أن يظهروا الأمثلة على التطور الصغير على أنها التطور الدارويني الذي يعمل في الطبيعة Darwinian evolution in action وبهذا تكون الداروينية حقيقة !


[1]  Richard Dawkins, The Ancestor's Tale – A Pilgrimage to the Dawn of Evolution, pp. 603-605

هناك تعليق واحد :

  1. انتقال جينات الى الباكتيريا وتمكينها من مقاومة المضادات الحيوية مثال على ان التطور الصغير قد يحدث فيه تغير جيني . في كل الاحوال نظرية التطور لا تقدم ميكانيكية معينة يمكن ان نعزو لها تكون المعلومات المخزنة في المادة الوراثية ولا يوجد فهم مادي يبين بصورة عقلانية سبب تناظم و تناغم المواد من بروتينات و أنسجة لتأدية الوظائف الحيوية التي تهدف لتمكين الكائن الحي من الحياة

    ردحذف

تسمية 2

تسمية 3

تسمية 4