تسمية 1

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

حسين الجسر وداروين وجهًا لوجه




حسين الجسر وداروين وجهًا لوجه








هو الشيخ حسين أفندي الجسر الطرابلسي الأزهري ( 1845-1909م)، أحد أبرز علماء الشام وفضلائها والذي عاصر مرحلة حرجة من التحولات الفكرية والسياسية آنذاك وبداية الغزو التغريبي للأمة الإسلامية. ولد في طرابلس عام 1845م وتوفي والده وعمره تسعة أشهر وتوفيت والدته وعمره عشر سنوات، فكفله عمه مصطفى الجسر الذي واظب على تعليمه وأتاح له الدراسة وتلقي العلم على أيدي نخبة من المشايخ أمثال أحمد عبد الجليل وعبد القادر الرافعي وعبد الرزاق الرافعي، ثم سافر إلى القاهرة ليتلقى العلم في الأزهر حيث درس على أيدي عدد من أهل العلم أبرزهم الشيخ حسين المرصفي. لكنه اضطر إلى العودة إلى طرابلس بعد أربع سنوات بسبب وفاة عمه واضطراره للقيام برعاية العائلة وتحمل أعبائها، فضلاً عن رئاسة الطريقة الصوفية الخلواتية التي كان عليها أبوه وعمه.
وكان بعد عودته يواظب على إعطاء الدروس في المدرسة الرجبية في الجامع المنصوري الكبير بطرابلس، ثم قرر في عام 1880م إنشاء المدرسة الوطنية والتي حظيت بتأييد بعض المصلحين مدحت باشا وحمدي باشا، وكانت تدرس العلوم الدينية (تفسير وحديث وفقه وعبادات وتوحيد) وعلوم الآلة (نحو وصرف ولغة وبيان ومعاني وإنشاء وأدب وعروض) والعلوم الفنية (منطق وحساب وجغرافية وهندسة) والقانون العثماني واللغات (التركية والفرنسية قراءة وكتابة). غير أن المدرسة الوطنية لم تستطع الاستمرار لأسباب مختلفة، فأغلقت وتوجه بعدها الشيخ حسين الجسر إلى بيروت حيث عمل في إدارة المدرسة السلطانية مما أتاح له الاطلاع على العلوم العصرية الحديثة في مكتبة الكلية الإنجليزية السورية، فضلاً عن تواصله بالشيخ محمد عبده الذي كان يلقي بعض المحاضرات على طلبة المدرسة السلطانية، لكن الشيخ الجسر لم يلبث أن عاد إلى طرابلس حيث اهتم بالتأليف والتصنيف حتى صدرت له (الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية وحقيقة الشريعة المحمدية) عام 1888م التي اشتهرت وانتشرت نسخها في أرجاء الشام إلى أن بلغت السلطان عبد الحميد، فاستدعاه للإقامة في اسطنبول فلبى الدعوة وأقام بها تسعة أشهر كتب فيها رسالة (الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية) وهي متممة للرسالة الحميدية.
ثم عاد الشيخ حسين الجسر بعد ذلك إلى طرابلس حيث قضى بقية حياته في المطالعة والتأليف والعبادة، حتى وافته المنية عام 1909م رحمه الله وطيب ثراه.

المشروع الفكري:
عاصر الشيخ حسين الجسر رحمه الله فترة من فترات الضعف الظاهر للأمة الإسلامية مع وجود تدخل ثقافي غربي واضح ونشاط تغريبي بالغ الخطورة. هذا الأمر كان دافعًا للشيخ حسين الجسر لمواجهة هذا الغزو الثقافي الذي يطرح موضوعات وأفكار ومعالجات جديدة لم يسبق أن واجهها علماء الإسلام فصارت تتطلب اجتهادًا وتحريرًا لها يناسب خطورتها وتأثيرها. وكان أبرز موضوعات هذه المواجهة هو العلاقة بين الإسلام والعلم الحديث، ورغم أن الشيخ كان منخرطًا في الصوفية وملتزمًا بالمذهب الأشعري إلا أننا نستطيع أن نصف مشروعه الفكري في مواجهة التحديات العلمية الحديثة للإسلام وعقائده ونصوصه الشرعية بأنه أول مشروع متكامل حديث يمثل الدين الإسلامي في مواجهة النظريات العلمية الحديثة، بخلاف مشروعات فكرية جزئية قام بها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وكان هدف هذا المشروع هو: رد الشبهات العلمية الحديثة عن النصوص الشرعية المعتمدة في الاعتقاد أو التوفيق بينها وبين ما يثبت علميًا بالدليل القاطع مستخدمًا أدوات المذهب الكلامي الأشعري.
ويتأسس مشروع الجسر رحمه الله على عدة قواعد منهجية محورية:
القاعدة الأولى: الاقتصار في مسائل الاعتقاد على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتواترة والمشهورة دون الآحاد[1]، وهذا يظهر فيه التأثر البالغ بالمذهب الكلامي الأشعري، لكنه في الحقيقة يخالف المستقر عند سلف هذه الأمة من لزوم اتباع كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان متواترًا أو آحادًا لا فرق بين مسائل الاعتقاد ومسائل الأحكام والعبادات. وقد حشد الإمام ابن قيم الجوزية عشرات الأدلة على عدم جواز التفرقة بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقبولها كلها لا فرق بين حديث وحديث من جهة القبول، واستشهد بكلام الصحابة والتابعين وكبار أئمة الإسلام مثل الشافعي وابن حنبل وغيرهما[2]. لكن في الحقيقة فإن هذا التفريق غير مؤثر في مسألتنا هنا، وإن كان له تداعيات أخرى في المجال الأوسع للعقيدة.
القاعدة الثانية: الأصل في فهم النصوص هو المعنى الظاهر المتبادر إلى الذهن، ((إن كل نص من هذه النصوص يجب علينا أن نعتمد فيه معناه الظاهر المتبادر منه، ولا يسوغ لنا تأويله وصرفه إلى معنى آخر غير متبادر إلا إذا قام دليل عقلي قطعي يناقض معناه الظاهر، فحينئذ يكون قيام ذلك الدليل العقلي قرينة دالة لنا على أن معناه الظاهر غير مراد للشارع بل مراده معنى آخر غير ما يتبادر منه، فنؤول النص حينئذ، ونصرفه إلى معنى آخر غير المتبادر منه على سبيل الاحتمال، يكون قابلاً له، وغير مناقض لذلك الدليل العقلي))[3]. فالنص الشرعي الثابت يفيد العلم اليقيني القاطع الجازم ولا يمكن تأويله عن معناه الظاهر المتبادر المستقر إلا في حالة وجود دليل آخر من نفس المرتبة في الحجية، أي: يقيني قطعي، وهذا الدليل الآخر قد يكون نصًا شرعيًا آخر أو دليلاً عقليًا أو من الحس والمشاهدة أو من العلم الطبيعي. فإن كان هذا الدليل الآخر المعارض يبلغ نفس المرتبة في الحجية التي بلغها النص، لزم الجمع بينهما وتأويل النص الوارد في الكتاب والسنة إلى معنى يرفع التعارض، فلا نتحول في فهم النص من الكتاب أو السنة إلى معنى خلاف الظاهر إلا لأجل دليل قطعي وليس لمجرد الظن والشبهة. أما إن كان الدليل المعارض لا يبلغ نفس المرتبة من الحجية، عندها ننظر في القاعدة التالية.
القاعدة الثالثة: أنه لا يجوز معارضة المعنى الظاهر للنص من الكتاب والسنة بالدليل الظني الذي لا يفيد اليقين، ((وأما معارضة الدليل العقلي الظني فلا تكون داعيًا لترك الظاهر من معنى النص، لأن رفض الدليل الظني لا يوجب رفض العقل كما هو واضح لاحتمال أن هذا الظن باطل في نفس الأمر، فلو تركنا الظاهر من النص لأجل الدليل الظني لكنا في معرض أن يكون اعتقادنا خطأ لاعتمادنا على الظن، وحينئذ لا نعذر في ذلك إذ لا ضرورة تدعونا إليه كما تدعونا الضرورة عند معارضة الدليل القطعي، على أن إتباع الدليل الظني وترك ظواهر النصوص يوجب اختباطًا واختلاطًا في الاعتقاد لا يحد، فإن الظنون كثيرة، والاعتقاد في الشرائع إنما يعتمد فيه اليقين، فكان الصواب أن يتمسك بظواهر النصوص يقينية الورود، ولا يتحول عنها لمجرد الظنون))[4].
وهذا هو مقتضى العقل السليم والتفكير المنطقي المقبول، فإنه إذا تعارض اثنان من معطيات المعرفة فيؤخذ بالمعطى الأقوى في الحجية والموثوقية، فإذا كان أحدهما قطعيًا والآخر ظنيًا أخذنا بالقطعي، وإن كان كلاهما قطعيًا سعينا للتوفيق بينهما، وإن كان كلاهما ظنيًا أخذنا بالأقرب للصحة أو توقفنا ولم نجزم، وإن كان أحدهما قطعيًا أو ظنيًا والآخر تخمينًا أو فرضًا (عقليا/فلسفيا/علميا) أو استنباطًا اجتهاديًا من النصوص أخذنا بالقطعي أو الظني ولم نأخذ بالرأي. وما بين القطعي اليقيني والرأي المجرد مسافة واسعة شاسعة تتفاوت فيها درجات الحجية والموثوقية للمعطيات المعرفية، والتفكير السليم يقتضي أن نأخذ بالأعلى في قوة الدليل وحجيته وندع الأدنى، وهذا في جميع أنواع المعرفة شرعية كانت أو غير شرعية.
القاعدة الرابعة: المسلم لا يتبع إجماعًا لأي من الطوائف إلا الإجماع الشرعي، ((إنا معشر المسلمين لسنا مأمورين في شريعتنا بتقليد إجماع إلا إجماع هذه الأمة المحمدية، أي إجماع علمائها الذين هم أهل الاجتهاد وفهم نصوص الشريعة حيث شهد لهم الرسول عليه السلام بأنهم لا يجتمعون على ضلالة))[5].
القاعدة الخامسة: إجماع العلماء الطبيعيين لا يلزمنا من حيث هو إجماع، بل العبرة بالدليل لا بالإجماع، لأن ((إجماع هؤلاء الفلاسفة على بعض المسائل قد يكون مبنيًا على دليل ظني فلا يفيد عصمة إجماعهم من الخطأ لاسيما في المسائل التي تكون بعيدة الموضوعات عنهم كما في المسائل الفلكية والجوية؛ فإن معظم أدلتهم فيها الحدس والتخمين وقياس الغائب على الشاهد كما يعلم من الاطلاع على كتبهم التي تقرر فيها تلك المسائل))[6]. فإنهم يعملون بمقتضى الدليل الظني ولو كان في أدنى مراتب الظن، وفي كثير من الأحيان لا تزيد النظرية العلمية على كونها مجرد فرضية تفسيرية يضعها الباحثون لبعض الظواهر ثم يركنون إليها لكونها لا ينهض شيء من الأدلة بين أيديهم لإبطالها، بل أدنى من ذلك، تراهم يقبلونها ويعملون بها لكونها لا يظهر من التفسيرات والتأويلات ما يَفضُلها أو يقوم مقامها في توجيه ما اجتمع لهم من القرائن، وهذا كما لا يخفى من أدنى مراتب الاستدلال الظني إن لم يكن هو أدناها. ولذا فإن أمثال تلك النظريات إذا ما ظهر لهم ما يقوى على إبطالها تركوها وقالوا بخلافها، وإذا ما ظهر لهم ما يقويها زاد قبولهم لها. ويضرب الشيخ حسين الجسر رحمه الله مثال ذلك بعلم الفلك الذي تغيرت هيئته تمامًا من الإجماع المستقر لقرون طويلة حول مركزية الأرض، ثم عاد القوم فقالوا بعدم مركزية الأرض ونقضوا الإجماع السابق إلى إجماع جديد مناقض له تمامًا[7].
القاعدة السادسة: إن كان لا يجوز إتباع إجماع العلماء الطبيعيين، فالأولى عدم إتباع أفرادهم فيما يعارض بوضوح ما هو مستقرٌ في النصوص الشرعية، ((فمن هنا يظهر لك خطأ بعض أهل هذا العصر في تقليد فلان الفلكي أو فلان الجغرافي أو فلان الجيولوجي المشهورين في فنونهم في بعض مسائل ربما تكون مخالفة لظواهر نصوص الشريعة التي تعتمد في الاعتقاد، فهذا الحال ربما يوقع هؤلاء المقلدين في الخروج عن الدين– والعياذ بالله وهم لا يشعرون، والذي يوقع أولئك المقلدين في تقليد فلاسفة هذا الزمان في تلك المسائل هو أنهم نظروا لهم أدلة في بعض مسائل فنونهم يقينية قطعية كأدلتهم في المسائل الحسابية والهندسية وبعض التجريبيات الطبيعية المحسوسة فاغتروا بهم، وأوقعهم الوهم في اعتقاد أن كل ما يقوله أولئك الفلاسفة صواب يقيني الثبوت وأنهم لا يعتمدون في أدلتهم في جميع فنونهم إلا على اليقين ولم يدر أنه يوجد فرق بين أدلة المسائل الحسابية وما ذكر معها وبين أدلة كثير من المسائل الفلكية مثلاً بأن تلك يقينية وهذه قد يوجد بينها كثير من الظنون والتخمينات وقياس الغائب على الشاهد الذي قد يكون في نفس الأمر قياسًا فاسدًا))[8].
القاعدة السابعة: نصوص الوحي ليس من مقاصدها التفصيل في مباحث العلوم الطبيعية، ((الشريعة المحمدية، بل وسائر الشرائع إنما يقصد منها بيان ما يرشد الخلق إلى معرفة الله تعالى باعتقاد وجوده واتصافه بصفات الكمال، وإلى كيفية عبادته وأداء شكره، وإلى الأحكام التي توصلهم إلى انتظام المعاش وحسن المعاد، وأما تعريفهم بمباحث العلوم الكونية من كيفية خلق العالم وما هي النواميس القائمة في السماويات أو في الأرضيات وأمثال ذلك فليس شيء من نحو هذا من مقاصد الشرائع بل هذه المبحث هي معارف تتوصل الناس إليها بعقولهم فربما ينتفعون بها في دنياهم وربما يكون حظهم فيها مجرد الاطلاع ، والشرائع لا تلتفت إليها أولاً وبالذات ولا تعتني بتفاصيلها: نعم قد تذكر شيئا منها مجملا على قدر ما يكون له دخل في مقاصدها الأصلية، فتذكر مثلا خلق السموات والأرضين وإبرازها من العدم واختلاف أنواع المخلوقات في التنوعات وكيفية تدبير الأكوان، وإعطاء كل منها نظامه على سبيل الإجمال، لأجل أن يكون ذلك دليلاً عقليًا للناس على وجود إله العالم وعلى اتصافه بالعلم، والقدرة، والحكمة إلى غير ذلك، وقد تفصل بعض تلك المباحث لداع يدعو إلى ذلك يكون مرجعه إلى مقاصدها)).
هذه القواعد المنهجية السبع هي الأصول التي تأسس عليها المشروع الفكري للشيخ حسين الجسر رحمه الله في تناول معطيات العلم الحديث التي تعارض النصوص الشرعية بحيث تخضع بناءً على هذه القواعد إما لردها ورفضها أو للتوفيق والجمع بينها وبين نصوص الوحي. وسوف نضرب المثال لتطبيق هذه القواعد بنظرية داروين في النشوء والارتقاء.

نظرية داروين:
في كتابه (الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية وحقيقة الشريعة المحمدية) يقوم الشيخ حسين الجسر بالجواب عن العديد من الشبهات حول الشريعة الإسلامية وتفاصيلها وإثبات صحة الرسالة والنبوة والكلام عن أبواب في الاعتقاد مثل إثبات وجود خالق العالم والحكمة من إرسال الرسل وإرساله محمدًا صلى الله عليه وسلم وغيرها. ومن ضمن المسائل التي يتناولها نظرية داروين في النشوء والارتقاء المعروفة حاليا باسم نظرية التطور، ويجيب عن المسلمين الذين يريدون تأويل نصوص الوحي الواردة في الخلق لتناسبها وتوافقها، فيقول بخصوص خلق أنواع وأصناف الكائنات الحية أن النصوص الواردة فيها ما يقبل التفسير بالخلق أو بالتطور كخلق كل دابة من ماء وأنه جعل من الماء كل شيء حي، أما سائر النصوص فالمعنى الظاهر المباشر منها هو الخلق لا التطور، يقول رحمه الله:
((وأما بقية النصوص المذكورة بالمعنى الظاهر المتبادر منها هو أن الله تعالى أوجد أنواع العوالم بطريق الخلق، أي أنه أوجد كل نوع منها مستقلاً عن غيره ليس مشتقًا من سواه، أعم من أن يكون بإيجاد دفعي أو متمهل، كما لا يخفى على من يدري أساليب الكلام العربي؛ لأن من يقول مثلاً: قدمت لضيفاني من الأطعمة أنواعًا، يتبادر من كلامه أنه اصطنع كل نوع مستقلاً عن البقية وقدمه إليهم، وأما كونه اصطنع جملة الطعام جنسًا واحدًا، ثم فرع منه الأنواع بترقيه في صناعة الطبخ، واشتقاق نوع من نوع، فهو معنى بعيد عن الإرادة لا يخطر في البال، وإن كان جائز الوقوع))[9].
وبعد مناقشة قصيرة لبعض الأحاديث الواردة في الخلق يقرر تقريرًا مؤصّلاً محكمًا، أنقله هنا كاملاً لقوته ونفاسته:
((فعلى ما تقدم من ظاهر هذه النصوص، وبحسب القاعدة المتقدمة من أن الواجب في الشريعة المحمدية أن يعتقد أتباعها المعاني المتعينة أو المعاني الظاهرة من نصوصها المتواترة أو المشهورة ما لم يعارض المعاني الظاهرة دليلٌ عقليٌ قاطعٌ يلجئ إلى تأويلها، يجب أن يكون اعتقاد أتباع محمد عليه السلام أن الله خلق كل نوع من عوالم الأرض مستقلاً ابتداء عن البقية، ولم يخلقها بطريق النشوء واشتق نوعًا من نوع، وإن كان قادرًا على كلتا الصورتين، وأما أن كل نوع خلقه دفعة واحدة أو بتمهل وترق بسبب نواميس وضعها الله له فهذا سبيله عندهم التوقف، حيث لم يرد في شريعتهم ما يفيد القطع بأحد الأمرين، ولا يسوغ لهم بمقتضى حكم شريعتهم كما تقدم أن يعدلوا عن اعتقاد هذا الظاهر إلى الاعتقاد بخلافه من نحو النشوء واشتقاق بعض من بعض كما تقولون أيها الماديون؛ لأن هذا خلاف ظاهر النصوص المتقدمة، ولم يقم عليه دليل قاطع يضطرهم إلى تأويلها، والأدلة التي تذكرونها في كتبكم على النشوء ما هي إلا ظنون وفروض لم تخرج عن دائرة الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال، كما يظهر من الاطلاع عليها مع خلو الغرض، وما دام الحال كذلك فأتباع محمد لا يصرفون تلك النصوص عن ظواهرها ولو مع اعتقادهم بأن هذا النشوء بخلق الله تعالى، بل لا يسوغ لهم الصرف ما دام الحال كذلك، نعم لو قام الدليل القطعي القاطع على خلاف ظاهر تلك النصوص كان عليهم حينئذ أن يؤولوها للتوفيق بينها وبين ما قام عليه ذلك الدليل جريًا على القاعدة المتقدمة (وأخال أن دون ذلك خرط القتاد).))[10]
فأدلة نصوص الوحي على الخلق قطعية يقينية لا يجوز تأويلها لأجل أدلة التطور الظنية المحتملة، ثم يضع الشيخ الجسر احتمالاً بأنه لو قام الدليل اليقيني القطعي على صحة حدوث التطور لجاز لنا تأويل هذه النصوص، لكنه يستدرك قائلاً إنه يخال ذلك دونه خرط القتاد، أي مستحيل تمامًا، لماذا؟ لأن كيفية أي حدث لا يمكن أن نعرفها إلا بطريق من ثلاث طرق: إما مشاهدته (دليل الحس) أو مشاهدة نظيره (دليل القياس العقلي) أو خبر الوحي الصادق. ومن الواضح الجليّ أننا لم نشهد خلق أي نوع من أنواع الكائنات الحية، ولم نشهد كذلك أي شيء مثيل أو نظير ذلك من وقائع التطور الكبير لنقيسه عليه كنشوء نوع من نوع آخر، وقد سبق في مقالات سابقة أن تكلمنا بالتفصيل عن كون خلق أنواع الكائنات الحية ليس من جنس الأحداث الحيوية المشاهدة المعتادة التي تجري في الأحياء ويمكن استقراؤها والقياس عليها. فلا يبقى لنا على هذه الحال إلا خبر الوحي الصادق وهو قد جاء بخلاف التطور الدارويني، فحقيقة الحال أن نشوء الأنواع بعضها من بعض ليس عليه دليلٌ أصلاً فضلاً عن أن يكون دليلاً قطعيًا في يوم من الأيام!
ثم ينتقل الشيخ الجسر إلى مناقشة خلق الإنسان والنصوص الواردة فيه وأنها ظاهرة في بيان الخلق المباشر على خلاف النشوء من أسلاف سابقين قائلاً: ((فهذه النصوص تفيد ظواهرها أن الله تعالى خلق الإنسان نوعًا مستقلاً لا بطريق النشوء، ولم يشتقه من نوع آخر كما تقولون))[11]، ثم يقول إنه يبعد أن يكون خلق الإنسان من المادة البسيطة ثم ترقى في الحياة حتى بلغ القرد ثم القرد الإنسان ثم الإنسان كما يقول التطوريون ويهمل الله تعالى ذكر ذلك كله ويقتصر على مراحل خلقه من تراب وطين وصلصال وحمأ مسنون، ((فسكوت النصوص المذكورة عن بيان النشوء واشتقاق الإنسان من نوع سواه واقتصارها على ما تقدم من البيان هو ظاهر في أن الإنسان خلق نوعًا مستقلاً ليس مشتقًا كما تقولون))[12]. وهذا حقٌ فإن القرآن هو البلاغ المبين، ولم يرد الله إلا أن يكون بلاغًا مبينًا فصيحًا عربيًا، لهذا لا يجوز أن يكون بيانه ملتبسًا ولا مدلسًا، وليس في حاجة إلى تأويله وتحميله ما لا يحتمل، بل إن الله جل وعلا لو أراد بالكلام خلاف ظاهره كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف الناس عن فهم المعنى الذي لم يرده، فيبعد مع ما نعرفه بجلاء من بلاغ القرآن المبين أن يخبر الله ورسوله الناس بكيفية معينة للخلق أبعد ما يكون عن الحقيقة ليتركها للتأويل البعيد المتكلف.
بل إن الشيخ الجسر ينقل لنا من تفسير الرازي رحمه الله ما ينفي نشوء الإنسان من أسلاف سابقة في تفسيره قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}[13]، ((قوله: (إذا) وهي للمفاجأة، يقال خرجت فإذا أسد بالباب، وهو إشارة إلى أن الله تعالى خلقه من تراب بكن فكان، لا أنه صار معدنًا ثم نباتًا ثم حيوانًا ثم إنسانًا. وهذا إشارة إلى مسألة حكمية، وهي أن الله تعالى يخلق أولا إنسانًا فينبهه أنه يحيا حيوانًا وناميًا وغير ذلك، لا أنه خلق أولا حيوانًا، ثم يجعله إنسانًا، فخلق الأنواع هو المراد الأول، ثم تكون الأنواع فيها الأجناس بتلك الإرادة الأولى، فالله تعالى جعل المرتبة الأخيرة في الشيء البعيد عنها غاية من غير انتقال من مرتبة إلى مرتبة من المراتب التي ذكرناها))[14]. ثم يعقب على كلام الرازي قائلاً:
((فهذا تصريحٌ بأن ذلك النص يفيد أن الإنسان كان تكوينه بطريق الخلق مستقلاً ابتداءً، لا بطريق النشوء كما تزعمون، وطريق الخلق هو الذي تعطيه ظواهر بقية النصوص، فاعتماد أتباع محمد عليه السلام في الاعتقاد عليه لا على النشوء، ولا يجوز لهم تأويل تلك الظواهر وصرفها عن معناها الظاهر إلا إذا قام دليل عقلي قاطع يدل على أن الله تعالى خلق الإنسان بطريق النشوء كما تزعمون "هيهات هيهات"، فعند ذلك يضطرون إلى تأويل ظواهر تلك النصوص كما هو القاعدة عندهم في التوفيق بين الدليل النقلي والدليل العقلي المتعارضين))[15].
فتأمل قوله (هيهات هيهات) عند الكلام عن الدليل القطعي على النشوء! فإنه فعلاً يستحيل كما قررنا من قبل لأننا لم نشاهد خلق الإنسان ولا خلق أي نوع من الكائنات الحية ولا نشوء نوع من نوع ولا مثيل ولا نظير لذلك، وخبر الوحي جاء بخلاف ذلك، فأي متمسك لمسلم في النشوء والارتقاء إذن؟!
بل إننا لو شهدنا نشوء إنسان من سلف سابق من خلال تجربة معملية مثلاً لما كان هذا دليلاً على صحة نظرية التطور بالشكل الذي يدعونا إلى تأويل آيات خلق آدم عليه السلام؛ لأن قصارى ما تدعو إليه هذه التجربة هو جواز واحتمال نشوء الإنسان عن طريق التطور، لا وقوع ذلك فعلاً. فهاهو أحد صناديد الداروينية جيري كوين يعترف في أحد حواراته الفيديوية على الشبكة أننا حتى لو توصلنا لاستنساخ الخلية الأولى في المعمل، فإن هذا لا يعني أن هذه هي الكيفية التي نشأت بها الحياة، بل مجرد أنها يمكن أن تنشأ بشكل طبيعي[16]. وجديرٌ بالذكر أن مجرد الاحتمال أو الجواز أو الإمكان لا يوجب الوقوع الفعلي، وبالتالي فلا متمسك للقوم في تجربة كهذه كداعٍ يوجب تأويل آيات خلق آدم إلى معنى التطور والنشوء من أسلاف سابقين.
ورغم أن الشيخ حسين الجسر يضع افتراضًا بوجود الدليل القطعي في يوم ما على النشوء، ويحاول أن يصوغ تأويلات مناسبة لنصوص الوحي للتوفيق بينها وبين التطور إلا أنه يعود فيقول: ((وأعيد تحذيركم من الوقوع في الغلط بظن الأدلة الظنية أنها يقينية، فحرروا الدليل واستوضحوا السبيل))[17]. ولا ينقطع عجبي ممن يقرأ كلام الشيخ حسين الجسر رحمه الله ويريد أن يصور مذهبه على أنه يقف على الحياد من نظرية داروين، كصنيع ابنه الشيخ نديم الجسر في كتابه (قصة الإيمان) وكذلك د. عمرو شريف في كتابه (كيف بدأ الخلق) حيث سعى الاثنان لتصوير هذه القواعد المنهجية التي أصلها الشيخ حسين الجسر على أنها تفتح الباب على مصراعيه للجمع بين الخلق والتطور، بينما هي تؤسس أساسًا عقليًا وشرعيًا متينًا للإيمان بالخلق المباشر ورفض نظرية داروين، وأن وضع الشيخ لاحتمال ورود الدليل القطعي لم يأت إلا مصحوبًا باعتقاده أن ذلك دونه خرط القتاد وهيهات هيهات! والتحذير من الغلط بظن الأدلة الظنية أنها يقينية. من أين جاء لأي بشر يقرأ هذا الكلام أن يتصور أن التطور الدارويني سيأتي عليه يوم ويكون ثابتًا يقينيًا قطعيًا وعندها سيكون لازمًا علينا تأويل النصوص؟! هاهو ريتشارد دوكينز الملحد التطوري الشهير يعترف أن التطور لا يمكن أن يكون حقيقة يقينية قطعية بالمعنى الفلسفي قائلاً: ((يخبرنا الفلاسفة ذوو النفوذ أننا لا نستطيع أن نبرهن على أي شيء في العلم... أما العلماء فأفضل ما يمكنهم فعله هو أن يفشلوا في دحض الأمور وهم يبينون مدى سعيهم الشاق في محاولتهم))[18].
بل إن الشيخ حسين الجسر ينتقل في الرسالة الحميدية إلى نقد الأدلة التي قامت عليها نظرية النشوء موضحًا غرضه بأنه لا يهدف إلى إبطالها والرد عليها، بل بيان أنها ظنية لا يقينية، وأنه يكفيه فقط التشكيك في حجيتها وقوتها ليجعلها دون منزلة نصوص الوحي، ((وقد آن أن أبين لكم أن أدلتكم التي ذكرتموها في كتبكم على النشوء وتوجيهاتكم له كل ذلك ظني، لا يضطر أتباع محمد عليه السلام إلى تأويل نصوص شريعتهم الظاهرة المعنى بأن وجود العوالم بطريق الخلق، ولا أريد أن أتصدى لمناظرتكم في إبطال ذلك والرد عليكم في كل ما قررتموه في إثبات تلك الدعوى... ولكن أريد أن أبين لكم أن معتمد أدلتكم على النشوء وتوجيهكم له لم يتجاوز الظن والتخمين، وبذلك كفاية لما هو غرضنا))[19].
فيقول مثلاً رحمه الله عن الاستدلال بالأعضاء الأثرية على النشوء: ((فاعلموا أن الدليل متى طرأ عليه الاحتمال، ولو كان احتمالاً بعيدًا، سقط به الاستدلال؛ أعني الاستدلال على اليقين، وهذا حكم لا ينكر عند كل العقلاء، ولا أخال أنكم تنكرونه. إذا تقرر ذلك، فاعلموا أن استدلالكم بالأعضاء الأثرية على النشوء بأنها تدل على تغير الأنواع فتوافق مذهب النشوء ولا توافق مذهب الخلق هو استدلال لا نتيجة له إلا الظن، وليس من اليقين في شيء، لطروء الاحتمال فيه. إذ لقائلٍ أن يقول: ما المانع أن تلك الأعضاء الأثرية لها فائدة وفيها حكمة قد خفيت عليكم كما خفي عليكم فوائد أشياء كثيرة توجد في أجسام النباتات والحيوانات كما يظهر من مراجعة كتب الفاثولوجية؟ مثلاً هذه المادة الملونة في جسد الحيوان مجهولة الفائدة في أكثر أجزاء الجسد إلا في المقلة، فالحكمة منها في المقلة امتصاص أشعة النور الزائدة، وأمثال ذلك كثير. فأنتم لم تحيطوا علمًا بفائدة كل كائن حتى تجزموا بأن تلك الأعضاء الأثرية لا فائدة لها البتة))[20].
ويقول في الاستدلال بالسجل الجيولوجي: ((ما المانع من أن أول ما وجد في طبقات الأرض أدنى النبات وأدنى الحيوان ثم أوجد الله تعالى ما هو أرقى منهما، مستقلاً كل نوع منه، ليس ناشئًا عن نوع من أنواع ذلك الأدنى، ثم أباد الأدنى لأسباب كونية من نحو أن الدور الزماني لم يبق مناسبًا له وإنما يناسب ما وجد بعده، أو أن الأرقى تغلب عليه، أو غير ذلك من الأسباب، ثم بعد دور آخر أوجد ما هو أرقى من الثاني مستقلاً كل نوع منه أيضًا غير ناشئ عما قبله، ثم أباد الثاني لأسباب أخرى كونية كما تقدم، ثم بعد دور آخر أوجد ما هو أرقى من الثالث مستقلاً كل نوع منه أيضًا ثم أباد الثالث، وهكذا الحال حتى وصل الدور إلى أنواع النبات والحيوان الموجودة الآن مستقلة أنواعها غير ناشئة عما قبلها، وقد أباد ما قبلها بمثل تلك الأسباب فبقيت أحافيرها وآثارها في طبقات الأرض، وإذا كان هذا الاحتمال قائمًا فأين اليقين في استدلالكم على الترقي والنشوء فيما أظهرته اكتشافاتكم الجيلوجية؟ وبهذا الاحتمال لا تخالف تلك الاكتشافات مذهب الخلق))[21].
ويقول في الاستدلال بالتشابه الشكلي بين الإنسان والقرد: ((وقولكم إنه بمقتضى مشابهته للقرد لا يمتنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد شبهة غاية في السقوط؛ لأن المشابهة الصورية لا توجب هذا الأمر ولا تقتضيه كما هو ظاهر، وإن قلتم: نعم هي لا توجبه، ولكن لا أقل من أنها تحدث الظن به، قلت: إن أتباع محمد عليه السلام لا يعتمدون الظن في باب الاعتقاد، ولا يعتبرونه معارضًا لظواهر نصوص شريعتهم))[22].
ثم تأمل معي عزيزي القارئ هذا الجواب البديع الذي خلب لبي وأطار عقلي عندما قرأته، وما زلت حتى الآن لا أصدق أنه قد صدر من عالم شرعي مسلم عام 1888 قبل اكتشاف الجينات وكيفية انتقال الصفات الوراثية والحوض الجيني للنوع البيولوجي والحواجز بين الأنواع، وهو للشيخ حسين الجسر رحمه الله في معرض جوابه عن استدلال التطوريين بالتطور الصغير (داخل النوع الواحد) على حدوث التطور الكبير (من نوع إلى نوع)، أو حسب تعبير ذلك الزمان ناموس التباينات، أي: تباين واختلاف الأبناء عن الآباء وكذلك الآباء عن الأجداد بشكل تدريجي، وأن هذا مع مرور الزمان الطويل يؤدي إلى نشوء نوع جديد مختلف عن النوع الأصلي، فيقول رحمه الله: ((ما المانع من أن تباين الفروع للأصول الذي اعتمدتم عليه في تغير النوع وتحوله إلى غيره على طول الزمان يكون محدودًا بمقدار لا يخرج النوع إلى نوع آخر، وبذلك المقدار تتم فائدة التمايز بين الأفراد، فيمكن أن الله قد جعل فروع الفرد الأول من النوع تباينه في صفات، وفروع الفروع تباين أصولها أيضًا وهكذا إلى حد محدود من سلسلة النسب يجري في ملايين من الأفراد والصور إلى درجة لا يخرج بها النوع إلى نوع آخر، ثم يكر سبحانه على الفروع فيعطيها صور أجدادها السابقة وهكذا حتى يتم الدور الثاني لاستيفاء الفروع صور الجدود، ثم يعيد ذلك العمل في الفروع التي تجيء بعد ذلك وهكذا حتى ينقضي هذا النوع أو ينقضي هذا العالم، وربما يتبرهن هذا الحال للأجيال الآتية بعدنا إذا وصلت لأيديهم صور من الصور الشمسية لأهل هذا الزمان، ثم قابلوا بينها وبين فروعها التي تكون في أيامهم، فيظهر لهم تكرار صور الأجداد الظاهرة للنظر في فروعهم، ثم نقول: إذا تصورنا ما يحدث من تكاثر الصور والأشكال بسبب أدنى تغير بين الفروع وأصولها نجد أن الصور تتكاثر كثيرًا في الكيفية التي قررناها ولا تخرج النوع ولا تحيله إلى نوع آخر لأنها محدودة كما فرضنا))[23]. ثم يقول: ((والملخص أن هذا الناموس وهو التباين غير المحدود على زعمكم وإن كان جائزًا عقلاً والتغير به جائز أيضًا، وكل داخل تحت تصرف القدرة الإلهية، ولكن وقوع ذلك الناموس مظنون غير يقيني، فحصول نتيجته وهو تغير الأنواع إلى بعضها يكون مظنونًا، فأتباع محمد عليه السلام لا يعبؤون بهذا الناموس ولا يعتبرونه منتجًا للنشوء، فلا يضطرون إلى تأويل ظواهر نصوص شريعتهم الدالة على الخلق، ووجود الأنواع مستقلة، بل يدومون على اعتقادهم بأنها وجدت بالخلق، إلا إذا فرض قيام دليل يقيني قاطع يدل على خلافه، "وهيهات هيهات"، فحينئذ يجرون على القاعدة المتقدمة في التأويل للتوفيق بين الدليل العقلي والنقلي))[24].
ومعنى كلامه رحمه الله أنه ما المانع من كون هذه الاختلافات الظاهرية المورفولوجية محدودة داخل النوع الواحد، لكن كثرتها وغزارتها تجعلنا نعتقد أنها غير محدودة ونظن أنها يمكنها تجاوز النوع الواحد إلى إنشاء أنواع أخرى مختلفة تمامًا؟ وهذا بالفعل ما ثبت علميًا بعد ذلك عند اكتشاف الجينات وكيفية انتقال الصفات الوراثية وأنها عبارة عن صفات محدودة في النوع الواحد وليس غير محدودة، فسبحان الله!
وأختم هذا المقال بنقل كلام الشيخ حسين الجسر رحمه الله في ختام جوابه على أدلة مذهب النشوء والارتقاء:
((فهذا ما أردت الآن إيراده عليكم، وهو كاف في بيان أن دلائلكم في النشوء ظنية لا تعارض نصوص الشريعة المحمدية، وقد رأيت أخصامكم قد خاضوا معكم في أبحاث لا حاجة لنا فيها، فأنكروا عليكم تغير الأنواع، وقمتم تبرهنونه حتى بتغيرها الصناعي، وأنكروا وجود الحلقات بين نوع ونوع آخر تزعمون أنه نشأ عنه، فقلتم: إن الحلقات قد وجدت في البعض، ومنيتم أنفسكم بأنها سوف توجد بالاكتشافات الجيلوجية في الباقي، وكل ذلك خبر يحتمل الصدق والكذب، فمن منا رافق الجيلوجيين في اكتشافاتهم وشهد تلك الحلقات؟ فسبحان العليم بحقيقة الأمر، على أنه لو ثبت فلا يزال الاحتمال حاصلاً في أنها أنواع مستقلة كما قدمنا، فبقيت أدلتكم مظنونة، فبالاختصار لا داعي لنا إلى الخوض معكم فيما خاضت فيه أخصامكم، ويكفينا ما قررناه لاعتماد ظواهر النصوص الشرعية، ولو أردنا الخوص معكم في ذلك لأريناكم قيمة تلك الأدلة التي اعتمدتموها، وأظهرنا لكم أن أساسها الوهم وأركانها الفروض، وإن وفق الله تعالى كتبت في ذلك الموضوع ما يشفي الغليل))[25].



[1] حسين الجسر، الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية، ص157-159
[2] ابن قيم الجوزية، مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى 2001، ج2 ص 551 حتى نهاية الكتاب
[3] حسين الجسر، الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية، ص157-158
[4] حسين الجسر، الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية، ص158-159
[5] المصدر السابق، ص161
[6] المصدر السابق
[7] المصدر السابق
[8] المصدر السابق، ص160-161
[9] حسين الجسر، الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية وحقيقة الشريعة المحمدية، تقديم عصمت نصار، دار الكتاب المصري – القاهرة، دار الكتاب اللبناني – بيروت، 2012، ص291
[10] المصدر السابق، ص292-293
[11] المصدر السابق، ص294
[12] المصدر السابق، ص295
[13] سورة الروم: آية20
[14] هذا التحليل من الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره لآية سورة الروم يدل على خطأ ما يذكره بعض أنصار التطور الإلهي مثل د. عمرو شريف من أن علماء المسلمين لم يكن لديهم أصلاً التصور والإدراك الكافيين لمعرفة مفهوم الخلق عن طريق التطور من نوع إلى نوع، لهذا فهم لم يفسروا أو يؤولوا آيات الخلق لتدل عليه، لكن بعد أن عرفنا بوجود مفهوم التطور فيمكننا أن نوجه معاني آيات الخلق إليه (عمرو شريف، كيف بدأ الخلق، ص350). فهذا التحليل من الفخر الرازي يبطل هذا الزعم ويدحضه تمامًا، فهو ذكر مفهوم ارتقاء الأنواع من مرتبة إلى مرتبة ونفاه وفنده مما يدل على أن مفهوم تطور الأنواع أو ارتقائها ليس مما كان يعسر على الفهم والتصور والإدراك عند العلماء المسلمين قبل داروين.
[15] حسين الجسر، الرسالة الحميدية، ص296
[16] مقطع لحوار مع التطوري الشهير جيري كوين بخصوص أصل الحياة والخلية الأولى، على الرابط الآتي:
https://www.facebook.com/WwwEltwhedCom/videos/1104365686260471
[17] حسين الجسر، الرسالة الحميدية، ص297
[18] ريتشارد دوكينز، أعظم استعراض فوق الأرض، ترجمة وتقديم: مصطفى إبراهيم فهمي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى 2014، ج1 ص43
[19] حسين الجسر، الحصون الحميدية، ص301
[20] المصدر السابق، ص305
[21] المصدر السابق، ص307-308
[22] المصدر السابق، ص315
[23] المصدر السابق، ص311-312
[24] المصدر السابق، ص313
[25] المصدر السابق، ص317

هناك تعليقان (2) :

  1. عمرو شريف انتقل الآن من الاستماتة في الدفاع عن التطور الي الاستماتة في نشر خرافة عبادة الطبيعة اذ انه في كتابه الاخير المعلوماتية ص٣٤٩ كتب بالنص ان معرفة آليات التطور حرك الاله خطوة الي الوراء وقدم الطبيعة كفاعل مباشر بلا تدخل من الاله !!!! وقد افتي الازهر ان هذا كفر والحاد ....عمرو شريف ليس فقط يدافع عن التطور ولكنه اصلا يحاول نشر خرافة ان قوانين الطبيعة هي الموجد الفعلي لانواع الكائنات بلا اي تدخل الهي ، ومع هذا وعلي التوازي يستمر في الهجوم الاعمي علي الخلقويين الذين يؤمنون بأن الله خالق كل شئ بلا آليات او وسائط يحتاج اليها لتنفذ ما يريد زاعما ظالما ان الخلقويين يعلمون الناس دين غير ما انزل الله وانهم اعداء العقل واعداء العلم وناشري الالحاد لظلاميتهم وجهلهم ، ان عمرو شريف يسعي جاهدا لتمزيق الامة وتقسيمها الي فريقين متناحرين وكل ذلك لانه اصبح مصابا بالوسواس القهري ان ما يعتقده من خرافات هو الحق المطلق وان من يعارضه هو عدو يجب محاربته !!!!!

    ردحذف
  2. بلاهة التطور وعمي التطوريين
    ان العلم الآن اصبح يري في اجسام الكائنات الحية مئات الشبكات المتخصصة كشبكة الجهاز التنفسي مثلا وفوق هذه المئات من الشبكات يوجد المايسترو وهو الشبكة السوبر التي تتحكم وتنظم و تنسق انشطة الشبكات المتخصصة و تشرف وتربط كل الشبكات في نظام مذهل فعلا .... ومازال بلهاء التطور يخرفون عن تطور اصبع الرجل اليمني الصغير وهل تطور من السمكة فتكات ام السمكة حلاوات !!!!! منتهي التخلف العلمي والعقلي الذي لا سبب له الا نشر الالحاد او ان الحقيقة هي ان الالحاد هو سبب هذا التخلف الحاد ........ وانظروا الي الحقيقة التي يريها الله العلي العظيم للبشر لعل بلهائهم يفيقون

    Figure. The human organism is an integrated network where complex physiologic systems, each with their own regulatory mechanisms, continuously interact, and where the failure of one system can trigger a breakdown of the entire network. A new field, network physiology, is needed to probe the network of interactions among diverse physiological systems. (Image copyright: Iris W Bartisch.)

    ردحذف

تسمية 2

تسمية 3

تسمية 4