سلسلة : نظرية التطور ، رؤية نقدية (1) مقدمة
نظرية التطور - رؤية نقدية
مقدمة
يُعد
عام 1953 عامًا محوريًا في تاريخ الجدل القائم حول نظرية التطور ؛ ففي هذا العام
تم اكتشاف مادة الشريط الوراثي الـDNA على أيدي
جيمس واتسون James Watson وفرانسيس
كريك Francis Crick .
قبل
هذا الاكتشاف لم يكن لدى العلماء أي فكرة عن كيفية تشكل الكائنات الحية . نعم ،
كانوا يعلمون كيف يتكون الجنين وكانوا يعلمون عن الجينات وتوارث الصفات ، لكنهم
كانوا يجهلون ما الذي يتحكم في عملية تكوين أو تشكيل جنين الإنسان مثلاً . الآن
نحن نعلم أن تتابع النيوكليوتيدات – وحدات الـDNA – هو الذي يتحكم في ملايين الخطوات التي تحول البيضة المخصبة إلى كائن
حي عديد الخلايا كالإنسان ، وفي كل خلية من هذه الخلايا العديدة توجد نسخة كاملة
طبق الأصل من نفس المادة الوراثية .
قبل
اكتشاف الـDNA كان العلماء ينظرون إلى الخواص الشكلية
والظاهرية للحيوانات ، ثم يقولون أن وقوع التشابه في هذه الخواص هو دليلٌ على
التطور وأن هذه الحيوانات متصلة ببعضها البعض على شجرة التطور حيث تجد لكل واحد من
الأنواع الحية مكانًا على هذه الشجرة . وكان علم المورفولوجي Morphology هو المختص بدراسة التركيب الظاهري للأنواع
المختلفة لتحديد العلاقات التطورية بينها ، لكنه الآن بعد اكتشاف الـDNA لم يعد له قيمة كدليل على صحة نظرية التطور
. رغم هذا فما زال البعض يستعمل التشابهات الشكلية والمورفولوجية عند الحديث عن
إثبات نظرية التطور ، لكن من الناحية العلمية المحضة فهذه الأطروحات قد تجاوزها
الزمن تمامًا .
قبل
اكتشاف الـDNA كان من اليسير أن نجمع بعض الأنواع الحية
المتشابهة شكليًا ثم نرسم شجرة التطور . وبسبب العدد المهول للكائنات الحية التي
تعيش والتي عاشت على هذا الكوكب ، فمن الممكن بسهولة وضع كل الكائنات في شجرة
التطور المزعومة وجعلها تبدو قريبة شكليًا وتطوريًا من بعضها البعض . وبسبب هذا
العدد المهول كذلك ، كان من اليسير إيجاد أنواع "انتقالية" تصلح لسد
الفجوات في شجرة التطور ، فعلى سبيل المثال من الممكن عن طريق خلط بعض الحفريات
الأساسية الخروج بإدعاء أن بعض الحيوانات التي كانت تعيش على اليابسة ، مثل
الخرتيت ، قد تطورت إلى حيتان تسبح في البحار كما يزعم بعض مؤيدي نظرية التطور
بالفعل .
لكن
رغم هذه الأدلة الظاهرية المزعومة لأنصار نظرية التطور لم تكن حجتهم قادرة دومًا
على دحض مخالفيهم ؛ فعلى سبيل المثال كان هناك العديد من الأنواع الحية لا يمكن
إيجاد أسلافٍ تطوريةٍ لها بسبب خصائصها التشريحية والوظيفية الفريدة وفائقة
التعقيد . فالزرافة مثلاً كان لديها خواص فريدة في القلب والرقبة وسائر الأعضاء
تسمح لها بأن تهبط برأسها إلى أسفل لشرب الماء دون أن تختنق أو أن تنفجر الدورة
الدموية للمخ عن طريق آليات فسيولوجية ليس لها نظير في أي كائن حي آخر ، أي أن
الزرافة ليس لها سلف في هذه الخصائص الفريدة .
مثال
آخر لعدم وجود السلف التطوري هو الانفجار الكامبري ؛ فكثير من الحفريات المكتشفة
في كندا ليس لها أسلاف معروفة . في الحقيقة الانفجار الكامبري يثير قضية أخرى :
فداروين تنبأ بأن عدد الأنواع الجديدة المكتشفة عن طريق الحفريات سوف يزداد مع
الزمن حتى يملأ الفجوات التطورية بين الأنواع ، لكن الانفجار الكامبري يخالف هذا
التنبؤ حيث ظهرت العديد من الأنواع في سجل الحفريات فجأة دون أي سلف .
بالطبع
يمكن تفسير هذا الانقطاع في سجل الحفريات بأن هذه الأنواع التطورية الوسيطة لم
توجد أصلاً أو أن الزمن قد قام بمحو حفرياتها وأي آثار تدل عليها . لكن التطوريين
إدراكًا منهم لهذه المشكلة قد قاموا بابتكار مصطلح التوازن المتقطع Punctuated Equilibrium أو القفزات التطورية ليحل محل التدرج الذي
دعا إليه داروين ؛ لأن هذا هو نتيجة ملاحظاتهم في سجل الحفريات .
في
هذه الحالة نحن رصدنا خطأ ما في المنظومة التطورية ، فهرع التطوريون إلى استحداث
مصطلح أكاديمي فخم ، كالتوازن المتقطع ، يعني بالضبط عكس ما تدعو إليه الداروينية
، ثم هم مستمرون في الترويج لنظرية التطور وكأن شيئًا لم يكن ! ألا ترون شيئًا
خاطئًا في هذه الصورة ؟
لكن
استخدام المصطلحات الفاخرة كالتوازن المتقطع لن ينقذ النظرية من البطلان لأننا ما
زلنا نذكر مزاعم داروين ، ومن الجليّ أن معطيات علم الحفريات لا تساند عددًا لا
يُستهان به من توقعاته الكبرى . لقد كان سجل الحفريات مليئًا بالثغرات بشكل كان
يؤدي بنظرية التطور إلى الموت البطيء .
بعد
اكتشاف الـDNA في عام 1953 كان من المنتظر أن تسقط نظرية
التطور بالضربة القاضية ؛ الآن صار مفروضًا على علماء الداروينية أن يشرحوا لنا
كيف تقوم سلسلة من الحوادث العشوائية بخلق جزيئات الـDNA بالغة التعقيد لملايين الأنواع الحية المختلفة . مع مرور الوقت
ساء الوضع أكثر نظرًا للكشوفات العلمية المتوالية عن مدى التعقيد والدقة والتركيب
الفائق لجزئ الـDNA ، ومع كل اكتشاف كانت نظرية التطور تبدو في
وضع أسوأ من السابق حيث تزداد صعوبة تفسير كيف ينشأ جزئ الـDNA الفريد الخاص بكل نوع من الأنواع الحية .
ولتقريب
الصورة دعنا نضرب مثالاً قريبًا : هل من الممكن لانفجار فوضوي عشوائي في ساحة
للسيارات الخردة مهجورة من ثلاثينيات القرن الماضي أن يؤدي لخلق سيارة مرسيدس
جديدة من طراز 2014 محركها يدور بكفاءة وبها مشغل اسطوانات CD Player يعمل بكفاءة وهاتف نقال يعمل عن طريق الأقمار
الصناعية ومصابيحها الأمامية تضيء بقوة علمًا بأن مشغل الاسطوانات والهاتف النقال
بالأقمار الصناعية لم يكونا قد وجدا في الثلاثينيات من القرن الماضي ؟ مستحيل
بالطبع ! لكن هذا بالضبط ما يريدنا التطوريون أن نقبله في كلامهم عن نشأة الأنواع
الجديدة عن طريق الطفرات العشوائية .
فضلاً
عن هذا فإنه من المعلوم أن جميع الحيوانات والنباتات ، بل والكائنات وحيدة الخلية
، يحوي كل منها الـDNA الخاص به . وبالتالي فهناك ملايين الشفرات
الوراثية للكائنات الحية والمنقرضة . ومع اكتشاف الـDNA تغيرت تمامًا دلالة شجرة التطور ، وصار من اللازم على العلماء أن
يفسروا كيف ظهر شريط المادة الوراثية الـDNA لكل أنواع الكائنات على وجه الأرض . وصار السؤال المحوري هو : كيف
يتحول الشريط الوراثي الخاص بنوع ما بشكل يؤدي إلى ظهور نوع جديد تمامًا ؟ ومما
يزيد السؤال غرابة هو أن النوع الثاني الجديد كان يُعتبر أرقى وأكثر تطورًا . ومما
تجدر الإشارة إليه كذلك أن هذا التحول كان يقع دون أخطاء ، بمعنى أنه لا توجد
ملايين المقابر العملاقة للمحاولات الفاشلة في هذا التحول من نوع إلى نوع آخر جديد
كما قد يتوقع البعض ، فالتحول دومًا مثالي ونموذجي ! يا للعجب !
فالسؤال
المحوري في الجدال القائم حول نظرية التطور هو : من أين جاءت المادة الوراثية
للأنواع الجديدة ؟ أو على وجه الخصوص : من أي جاءت المادة الوراثية للإنسان ؟ أو
بكلمات أخرى : من أي جاءت المادة الوراثية الفريدة المميزة لكل نوع من الكائنات
الحية خصوصًا الإنسان ؟
لا يملك
التطوريون إجابة حقيقية على هذا السؤال ، لهذا يخوضون في مسائل تشتت التركيز
بعيدًا عن هذا السؤال المحوري ، وفي نفس الوقت يتظاهرون بأنهم قد أجابوا السؤال
فعلاً ! ثم هم يلجئون إلى التلاعب بالمصطلحات بشكل يصرف الانتباه عن نقاط الضعف في
النظرية حتى لا يتشكك أحدٌ في مصداقيتها .
إنما
الحقيقة أنه لا بد من إبطال كل قوانين علم الإحصاء حتى يمكن لنظرية التطور أن تسوغ
عقلاً وحتى يمكن أن تنشأ المادة الوراثية من طريق التطور الدارويني . قوانين
الإحصاء وسيناريوهات المحاكاة المعدة عن طريق الكمبيوتر Computer Simulations لا يتم استدعائها أو الاستعانة بها من طرف
التطوريين ، بل يتم تجاهلها والإعراض عنها .
فعلى
سبيل المثال ، لا يوجد جهاز كمبيوتر على سطح الأرض قد بلغ من التعقيد والتركيب –
ولو من طرفٍ بعيدٍ – ما بلغه شريط الـDNA الوراثي للإنسان ، فمن المفروض أن تكون برامج المحاكاة المصممة عن
طريق الكمبيوتر اختبارًا منصفًا لسيناريوهات نظرية التطور . لكن القوم يرفضون
اللجوء لهذه البرامج لأنها لا تقدم النتائج التي يريدونها .
في
الحقيقة لا يوجد في أي علم من العلوم – بخلاف نظرية التطور – الزعم بأن الحوادث
العشوائية تستطيع خلق أي شيء معقد ودقيق ويعمل بكفاءة ، لكن نظرية التطور تزعم أن
هذا حدث ملايين المرات مع هامش خطأ ضئيل جدًا لا يكاد يذكر .
هل جرب أحدكم أن يأخذ برنامج
كمبيوتر ويقوم بإجراء تعديلات عشوائية في الكود الثنائي binary code لهذا البرنامج ليخرج ببرنامج
جديد يقوم بوظائف ومهام وعمليات جديدة لم يكن
البرنامج الأصلي يقوم بها ؟ طبعا مستحيل !
رغم هذا فنظرية التطور تزعم أنه يمكن أخذ الشريط الوراثي من الـ DNA الذي هو أعقد بمراحل من أي برنامج كمبيوتر صممه إنسان على وجه الأرض واستخراج الملايين من أشرطة الـDNA منه عن طريق الحوادث العشوائية .
رغم هذا فنظرية التطور تزعم أنه يمكن أخذ الشريط الوراثي من الـ DNA الذي هو أعقد بمراحل من أي برنامج كمبيوتر صممه إنسان على وجه الأرض واستخراج الملايين من أشرطة الـDNA منه عن طريق الحوادث العشوائية .
ومع
تعمق العلماء في دراسة تركيب وتعقيد شريط الـDNA ، تزداد نظرية التطور بعدًا عن العقل والمنطق السليم . لكن بدلاً
من إعادة النظر في هذه النظرية والتشكيك في أطروحاتها ، نجد أن القوم يزدادون
تمسكًا بها دون أن يقدموا أدلة علمية معتبرة عن الأسباب التي تدعوهم لهذا .
لا
يمكن للعشوائية أن تخلق الدقة والتعقيد والإحكام في كائنٍ واحدٍ ، فضلاً عن ملايين
الأنواع من الكائنات الحية على سطح الأرض . لكن نتيجةً للخداع والتدليس ، خصوصًا
في استعمال المصطلحات ، قليلٌ جدًا من الناس ينتبه لحقيقة أن اكتشاف شريط الـDNA قد أظهر هشاشة وعبثية نظرية التطور ، وسنسعى
في هذه السلسلة من المقالات لتوضيح هذه النقطة بجلاءٍ وتفصيلٍ إن شاء الله تعالى .
أولا جزاكم الله خيرا علي سلسلة المقالات هذه واسأل الله أن تكون في ميزان حسناتك واسأل الله لك الإخلاص ...
ردحذفهل يمكن ذكر مراجع للمعلومات المذكورة في المقالة ؟؟ فأظنها بهذا ستكون أقوي بكثير مع عدم الإخلال بالبساطة طبعا ...
إن شاء الله أسعى لمراعاة هذا في المقالات القادمة
حذفوجزاكم الله خيرا ، وأسأله أن يجعل لكم نصيبا من دعائكم
حذفصحيح... الحامض النووى الريبوزى يحتاج الى أكثر من العبثية العشوائية لجعل خلية Ecoli تنتج الانسولين ، أو لحث خلايا الكبد على النمو و انتاج كبد جديد ، فما بالك بانتاج كائن جديد أكثر تطورا من الإنسان ... و بدون أخطاء أو تجارب فاشلة كما يحدث فى المختبرات ، كما أن الجزى الخاص بأحد الكائنات يختلف تماما عن اى كائن آخر فى سلسلة التطور . كما وجد ان الجزىء الخاص بالخلية الجسمية غير قابل للتغير أو التطور التلقائى ، أما الخلية الجنسية فالجزىء النووى الخاص بها قابل للتغيير اذا تعرض لمؤثرات خارجية ... وغالبا النتائج العشوائية (كالتعرض للإشعاع النووى ) سالبة
ردحذفكلام سليم وفي محله تماما
حذفنعلم اليوم أن المعلومات المطلوبة لتكوين جسم الكائن الحي ليست موجودة في الحمض النووي فقط ! و هذا يهدم نظرية التطور الحديثة المبنية على أساسي الطفرات الجينية و الانتخاب الطبيعي . لأن المحرك و الدافع الحقيقي للتطوريين هو الأفكار الإلحادية المسبقة ، يسعى كثير من كبارهم اليوم لإنتاج نظرية تطور " بعد الحديثة " لتشمل الاكتشافات العلمية الحديثة . كان هذا و ما زال ديدن التطوريين في التعامل مع الاكتشافات العلمية الحديثة حتى و إن خالفت أسس نظرتهم و هو العمل على التوفيق بين العقيدة الدارونية و المعطيات العلمية الحديثة كيفما اتفق .
ردحذفبالضبط ، عندك حق
حذف