تقديم رواية (الجاحد) للحسن البخاري
تقــديــم
بسم
الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد،
فهذه
الرواية التي بين يدي القارئ العزيز من تأليف الصديق العزيز الحسن البخاري تحكي
طرفًا من دورة الحياة التي يخوضها الشاب العربي الملحد بداية من الإحباطات النفسية
والأسرية والمجتمعية، بل والسياسية، التي تكون داعيًا قويًا للإلحاد وانتهاءً
بفقدان المعنى من الحياة والدخول في دوامة التشتت والضياع والانهيار.
وحقيقٌ
بالإحباطات النفسية والأسرية والمجتمعية أن تكون دافعًا قويًا إلى الإلحاد خصوصًا
إذا امتزجت هذه الإحباطات بقابلية داخلية لدى الشاب للوقوع في براثن الإلحاد. هذه
الإحباطات تتنوع فقد تكون أمورًا نفسية مثل فشل المرء في تحقيق هدفٍ غالٍ ونفيسٍ
ومهمٍ لديه خصوصًا إذا ارتبط هذا الفشل بالدعاء المتكرر إلى الله تعالى حتى ينجح
ولا يفشل، ثم عندما يقع الفشل يتوجه الإنسان باللوم إلى ربه ويلقي عليه بمسئولية
فشله وإخفاقه وعجزه وتقصيره! وقد يكون هذا الفشل أو الإخفاق نتيجة أمورٍ قدريةٍ لا
يد للعبد فيها، إنما تكون من الله تعالى اختبارًا وامتحانًا ليرى هل يلجأ إلى ربه
ويعود إليه أم ييأس من روح الله، لكن الإنسان العجول الظلوم يريد أن تكون حياته كلها
نعيمًا بلا مشقة ونجاحًا بلا فشل وانتصارات متوالية بلا هزيمة واحدة، وهذا خلاف
السنن الكونية!
وقد
ترجع الإحباطات لأسباب أسرية كأن ينشأ المرء في أسرة مفككة لا يجد فيها من يهديه
ويرشده أو من يصلح أن يكون قدوة صالحة، فيكون سبيله إلى الضياع والحيرة والتشتت واعتناق
أكثر الأفكار تمردًا وعصيانًا، فكأن الإلحاد والتمرد على ربه الذي في السماء
انعكاسٌ لتمرده على رب الأسرة على الأرض!
وقد
تعود الإحباطات لأسباب مجتمعية كأن يكون الشاب لديه استشكالات واستفسارات وأسئلة
مشروعة عن الدين ولا يجد الإجابة عنها، بل قد يكون الأمر أسوأ عندما تقابل
استفساراته الصدود والإنكار والاتهامات بالكفر والإلحاد، فيكون لهذا المسلك رد فعل
سلبي يدفع الشاب إلى كراهية المجتمع ورموزه ودينه، فيكون ذريعةٌ للإلحاد. ويظهر
هذا أكثر إن لم يجد في هذا المجتمع نماذج دينية إسلامية صالحة، أو كانت النماذج الموجودة
على الساحة تسيء للإسلام ورسالته، فيسوء ظن الشاب في القائمين على الدين وعلى
الدعوة إليه، ويسوء ظنه بالتالي في الدين نفسه فيتركه ويكفر به!
هذه
الإحباطات المتنوعة قد تكون دافعًا للشاب أو الفتاة للوقوع في براثن الإلحاد، لهذا
عندما يتخذ الشاب قرار الإلحاد يشعر بالراحة في البداية وبالانعتاق من
"أغلال" الدين وتكاليفه، لكن هذا الارتياح المبدئي لا يلبث أن يتلوه
الشعور بالضياع والتشتت وفقدان معنى الحياة، أو كما يقول أحد كتاب منتدى التوحيد
في رسالته لأحد الملحدين عندما كان يشكو إليه من رغبته في الانتحار:
(( ذكرت
يا هداك الله أنك فكرت في الانتحار لما ألم بك من ظروف سيئة لا تعدو ما يواجهه
مراهق في مقتبل عمره حين يعاني أمر تكوين شخصيته واكتساب الأصدقاء من حوله، وذكرت
ما بلغت بك الوسوسة حتى شككت في عقلك وقدراته الذي كان سلاحك يوما في الإعراض عن
الله وما اشترعه لعباده المؤمنين، فإذا به سلاح في يدك لكنه عليك لا لك، وإليك لا
إلى غيرك.
وما
عجبت أبدا وأنت تتدين الإلحاد أن تفكر بالانتحار فهذا أمر لا يستغرب، بل أعظم ما
أعجب له أن أرى ملحدا لا يعزم على الانتحار ولا يقدم عليه، فكيف له إن كان ملحدا
حقا أن يقاسى مرارة الحياة بلا هدف سوى أن يكون ألعوبة لصدفة أزلية حمقاء عمياء،
لا منتهى له فيها يزيد على أن يكون جيفة منتنة بقفر من الأرض تتحلل حتى لا يكاد
يبقى منها شيء ثم لا حساب ولا عقاب ولا أمل ولا رجاء بعد كل تلك الحياة المليئة
بالأسقام وقساوة العيش، فما معنى هذه الحياة حتى يصبر عليها ويصابر على شدائدها
وصعابها؟ وما الذي يدفع ملحدا لأن ينشب بأظفاره فيها تمسكا بعيش ساعة لا يصفو
كدرها ولا يحلو مرها.
وقدر
لو أن الناس آمنوا بالإلحاد دينا، وكفروا بكل ما عداه، كيف سيعمرون حينها خراب
أرواحهم بلذاذات الجسد التي يمحوها سراعا عالم النسيان، ويذهب ذكراها بما يتبعه من
شقاء الحياة وشدائد عيشها؟ فأي شقاء للروح ذلك الشقاء ، وأي استعباد للجسد ذلك
الاستعباد؟!
أفكرت؟
أتدبرت؟ لقد كان في ذلك كفاية لمن كان له عقل ولكن أين من يحسن التفكر والتدبر؟
عجبا
لملحد لا ينتحر، فسيان حياته وموته، بل حياته في مقياس إلحاده سفه، لا دواء له إلا
شراب أو مسحوق سام يستفه، أو إزهاق روحه بأي طريق يكون بها حتفه.
وإن
من ألحد حق له أن يُلْحَد، فليس له فوق الأرض موطئ أو مأوى، وليس شيء أولى به من
الأرض إلا لحد يُلْحَد فيه بما فيه من إلحاد وجحد.
ولا
تظن أن من يمتنع عن الانتحار من المسلمين إنما امتنع لكونه حراما، إذا لا معنى
لحرمة الانتحار عندهم إلا وجوب إحسان العمل في مواجهة الصعاب وعدم التخاذل عند
مصائب الدنيا التي تتصاغر كبرياتها في نفس المؤمن بالله وقدره، فينطلق المؤمن في
طريق إصلاح حاله ومن حوله حين يقعد الملحد في قارعة الطريق يبكي نفسه وينوح على
مصابه ويهتف بالانتحار، ولو صدق في إلحاده لنحر نفسه وترك الصياح للديكة، لكنه
إلحاد من لا يثق بإلحاده، بل جرأة فاسق علم أن تكذيبه الحق لا يمحو الحق بل يزيده
جلاء، كما يزيد الليل بظلمته جلاء الصباح وإشراقة الفجر وإضاءة النجم وإنارة البدر،
فلا يسعى في إطفاء نور الله إلا زاد إشراقه، ولا أشعل نار فتنة إلا أطفأها الله
وأحرقهم بها في الدار الآخرة.
إن
المسلم حقا لا ينتحر لأنه يتشبث بساعات الطاعة وآنات الذكر وأعمال الخير، ولا
يتمنى الموت إلا أن يكون خيرا له في دينه لا لألم من الدنيا يسير أصابه، وكل ألمها
يسير عند المؤمن الصابر، وشديد على غيره.
وقد
ظننتَ أن مقياس البؤس والألم هو جوعة في أفريقي، وأن لا أشد منه بؤسا، ولو قد
علمت، لعلمت أن في بؤس الروح ما هو أشد وأعظم من بؤس الجسد، فإذا اجتمعا فذلك
البؤس كله، ومتى كان عذر الإنسان في إيمانه وكفره بقدر ما في قِدره أو ما حشاه
بطنه واغترفته يده من أكلة وشربة؟
وأما
آخر ما ذكرته من أن وجودك من العدم مصيبة في رأيك لا نعمة فكيف تطالب بشكر الله
عليها؟
فما
ذلك إلا كما قلت لك من حال الملحد، فإن حياته لا معنى لها في أولها ولا آخرها ولا
في استمرارها، فما بين الملحد وبين الانتحار؟! إلا أن تكون شهوات الجسد كما هي
نزوات البهائم؟ وما أرخص ذلك وما أبخسه لإنسانية الإنسان!!
فهلا
راجعت نفسك لتعرف منها فقرها إلى خالقها وحاجتها إليه إيجادا وإمدادا، فلو قد فعلت
ذلك لكفتك بجوابها عن جواب غيرها، ولكن من لم يعرف نفسه لا يعرف غيره.
وأسأل
الله أن يهديك إلى الإيمان به والإذعان لشرعه، فما لك في الإلحاد من خير ولا لغيرك
فيه خير، وما هي إلا طريق موحشة متلفة، تذهب ساعات عمرك في شقاء روحك وعقلك وبدنك،
ولو كنت مؤمنا لسعدت روحك وسمى عقلك وتطهر بدنك، فاختر لنفسك ما لا تندم عليه في
الدارين، ولا تذوق عليه الأمرين، وانظر بعين عقلك لا عين الشبه الكليلة، واسمع
بأذن المنصت لا بأذن اللاهي في غيه، فما أضيع من ضيع الآخرة الباقية لساعات حقيرة
فانية. )) ا.هـ. باختصار
هذه
هي دورة حياة الملحد العربي وهي تختلف كثيرًا عن حياة الملحد الغربي الذي ينشأ في
بيئة لادينية ومجتمع لا يتمركز حول الدين، لهذا يكون وقوع الشاب العربي في الإلحاد
تعبيرًا صارخًا عن رفضه لمجتمعه ودينه وأسلوب حياته بخلاف الملحد الغربي.
وقد
أجاد صديقي العزيز الحسن البخاري في عرض هذه الحياة بما فيها من نوازع وصراعات
نفسية داخلية وإحباطات أسرية ومجتمعية بشكل بارع جعل فيه الخيال حقيقة واقعة
أمامنا تتنفس وتأكل وتشرب وتمشي في الأسواق –أو الكافيتريات/المقاهي (ابتسامة)-
فله الشكر الوافر الجزيل، وأسأل الله تعالى أن يبارك فيه وفي قلمه البارع ويسدده
ويوفقه إلى كل خيرٍ ورشدٍ وصوابٍ.
د.
هشام عزمي
مدير
قسم الإعلام والعلاقات العامة
مركز
براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية
21
يوليو 2015
تحميل الرواية من هذا الرابط:
كلمة الحسن البخاري في التعريف بالرواية
ليست هناك تعليقات :