تسمية 1

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

سلسلة : نظرية التطور ، رؤية نقدية (8) نظرة أعمق للفرق بين التطور الصغير والتطور الكبير


نظرة أعمق للفرق بين التطور الصغير والتطور الكبير



سوف نتناول في هذا المقال الفرق بين الحمض النووي للخلية الحية الأولى والحمض النووي البشري ، لكننا سنتناوله من منظور يتعلق بمدى تعقيده وتركيبه . فلو وجدت الخلية الحية الأولى ، كيف نقارن حمضها النووي بالحمض النووي البشري من جهة التعقيد ؟ ستكون أشبه بالمقارنة بين قارب خشبي صغير ويخت حديث فاخر !
لكي يقفز التطور من القارب الخشبي إلى اليخت الفاخر يحتاج إلى انتاج مقادير مهولة من المادة الوراثية المغرقة في التعقيد في كل مرة ينشأ فيها نوع جديد من الكائنات الحية حسب شجرة التطور المفترضة ، فيزيد تبعًا لذلك طول الحمض النووي وتزداد الشفرات الوراثية تعقيدًا وتركيبًا بصورة مطردة .
فلو فرضنا على سبيل المثال أن الخلية الحية الأولى تحوي عددًا قليلاً من النيكليوتيدات مقارنة بـ3,2 بليون نيوكليوتيدة في الحمض النووي البشري ، ولنقل مثلاً 200 مليون ، كيف يمكن للتطور أن يضيف 3 بليون نيوكليوتيدة للشريط الوراثي الخاص بالخلية الأولى ؟ سيقول التطوريون طبعًا إن هذا حدث تدريجيًا على دفعات متتالية من خلال أنواع متتالية متتابعة على سلم التطور .
حسن ، فلنفترض – مجرد افتراض – أن كل نوع وسيط بين الخلية الأولى والإنسان أضاف للحمض النووي للنوع الذي يسبقه 300 ألف نيوكليوتيدة ، فإذا أردنا أن نحسب عدد الأنواع الوسيطة بين الخلية الأولى والإنسان بشكل تقريبي ، فسوف يكون حوالي 10 آلاف نوع ؛ حيث أن حاصل ضرب 10 آلاف في 300 ألف يساوي 3 بليون نيوكليوتيدة جديدة . هؤلاء يمثلون 10 آلاف نوع متتابعين وليسوا في نفس الوقت ولا في أي وقت ، كل نوع يعتمد على ظهور النوع السابق عليه بنجاح ، فإذا فشل أي نوع وسيط في زيادة عدد النيوكليوتيدات المطلوب ، فلن تستمر السلسلة . فلابد أن يتم هذا التطور بالترتيب ، فهم ليسوا 10 آلاف حزمة من الطفرات فقط ، بل 10 آلاف حزمة معينة من الطفرات المتتابعة في ترتيب دقيق ومحسوب ومدروس .
بمعنى آخر ، فإن النوع الأول لابد أن ينشأ من الخلية الأولى ثم النوع الثاني من الأول ثم النوع الثاالث من الثاني وهكذا .. ولن يستقيم التطور إلا بمراعاة ترتيب الأنواع وترتيب وقوع الطفرات التي تزيد طول الحمض النووي .
كذلك ستختفي العديد من الجينات في هذا المسار ، فلا يمكن على سبيل المثال أن نتصور أن جينات النوع الخمسين بعد الخلية الأولى ما زالت موجودة في الحمض النووي البشري . لهذا فسوف تختفي آلاف الجينات في نفس الوقت الذي سوف تنشأ فيه آلاف الجينات الجديدة الأكثر طولاً والأكثر تعقيدًا وتركيبًا .
لكن الحقيقة المرة – بالنسبة للتطوريين – أن نشوء نوع جديد عن طريق الطفرات العشوائية في الحمض النووي أبعد احتمالاً من محاولة كسب قرعة اليانصيب ، بل إن كسب اليانصيب أسهل بمراحل من نشوء نوع جديد ، ومسابقات اليانصيب هذه لابد من كسبها على التوالي واحدة تلو الأخرى . لهذا من منظور إحصائي محض فإن احتمالية التطور تساوي احتمال كسب نفس العائلة لقرعة اليانصيب 10 آلاف مرة على التوالي ! بل إن احتمالية نشوء نوع جديد واحد عن طريق سلسلة من الطفرات العشوائية أبعد احتمالاً بمراحل متجاوزة من ربح مسابقة يانصيب على مستوى الشرق الأوسط كله كما سنتناوله في مقالة قادمة بإذن الله تعالى .

مفهوم الاحتمالات المستحيلة المتتابعة هذا هو أحد الأمثلة أو أحد الأدلة على سخافة نظرية التطور من الجهة الرياضية أو الحسابية البحتة . فهو يتطلب وقوع حدث ، احتمال غير قابل للحدوث ، ويريد منه أن يتكرر عشرات الآلاف من المرات مرة تلو الأخرى في ترتيب معين ، وبالتالي فإن شجرة التطور حتى بلوغ الإنسان سيكون عليها ما يقرب من 10 آلاف نوع مختلف متتاليين الواحد تلو الآخر حسب هذه التوقعات .
طبعًا مع 10 آلاف نوع على شجرة التطور ، فإن نظرية التطور تعتمد على أنه من السهل ومن اليسير إضافة جزء جديد للحمض النووي الموجود في كل نوع لينشأ نوع جديد ، لكن للأسف سيظهر لنا مع قراءة هذا المقال أنه من المستحيل تمامًا نشوء نوع جديد واحد عن طريق التطور على وجه الأرض أو حتى على أي كوكب آخر .

تذكر عزيزي القارئ أنه لكي يمضي هذا التطور في خلق 10 آلاف نوع من الخلية الحية الأولى حتى الجنس البشري لابد من إضافة قطعة جديدة من الحمض النووي في حدود 300 ألف نيوكليوتيدة متتابعة بشكل معقد ومشفر في كل نوع من العشرة آلاف نوع . تذكر كذلك أن التطور الصغير لا يقوم بإضافة مادة وراثية جديدة ، وبالتالي فهو لا يؤدي إلى نشوء أنواع جديدة ، وليس له أي دور في شجرة التطور المفترضة . وإذا وضعنا في الاعتبار كل أنواع الكائنات الحية التي تعد بالملايين ، سنجد أن لكل منها تركيب فريد غاية في التعقيد للحمض النووي يختلف عن سلفه المفترض ، ومن المفترض – حسب نظرية التطور – أن هذا التركيب الفريد للحمض النووي قد جاء عن طريق الطفرات العشوائية غير المقصودة وغير الموجهة في الحمض النووي لأسلافها بواسطة التطور الكبير .
فمفهوم نشوء تركيب جديد للحمض النووي هو موضوع جوهري في الجدل الدائر حول نظرية التطور ، لكنه يتم تجاهله باستمرار . وهذا عجيب جدًا حيث نجد أن القضايا المحورية يتم تجاهلها والتدليس فيها باستخدام المصطلحات المائعة والتكتيكات الخادعة الأخرى لصرف أنظار الطلبة والدارسين عنها . لأجل هذا فإن القضية المحورية التي لابد من استحضارها دومًا هي أن الحمض النووي للخلية الحية الأولى يختلف تمامًا عن الحمض النووي البشري ، وبالتالي فهناك الكثير جدًا من تراكيب الحمض النووي الوسيطة على امتداد شجرة التطور من الخلية الأولى حتى الإنسان ، ولنفترض أن عددهم مثلاً 10 آلاف نوع متتابعين ، فيكون مثلاً عدد النيوكليوتيدات المطلوب إضافتها لكل نوع في السلسلة هو 300 ألف من النيوكليوتيدات الجديدة المتطورة والأكثر تعقيدًا وتركيبًا . ولو حاولنا تخفيض عدد النيوكليوتيدات في كل خطوة سنحتاج إلى زيادة عدد الأنواع الوسيطة التي ستنشأ على هذا المسار ، فإذا فرضنا مثلاً أننا بحاجة في كل نوع جديد إلى 150 ألف نيوكلوتيدة جديدة ، فهذا سيستغرق 20 ألف جيل من الأنواع الوسيطة ، وهذا يصعب الأمور أكثر وأكثر .

الحقيقة المحورية :
الحقيقة الناصعة في وسط كل هذا هو أنه بينما يعتبر التطور الصغير حقيقة علمية ثابتة بشكل كامل وعليها أطنان من الأدلة ، فإن التطور الكبير ما زال مجرد فرضية نظرية لم يثبت وقوعها ولو مرة واحدة في التاريخ الطبيعي أو في المعمل . بمعنى آخر فإنه لا يوجد في العلم إطلاقًا أن مادة وراثية جديدة ، أي تركيب جديد للحمض النووي ، قد نشأت عن طريق التطور الكبير . فالتطور الكبير هو افتراض أو نظرية بلا دليل ، أما التطور الصغير فهو حقيقة علمية ثابتة بالعديد من الأدلة بما فيها عصافير داروين .
فلو كان التطور حقيقة ، فلابد أن ملايين الأنواع من الكائنات الحية قد نشأت عن طريق نشوء حمض نووي جديد للنوع الذي ينشأ من نوع آخر سلف له ، فيكون لدينا الحمض النووي بتركيبه المميز للنوع السلفي والحمض النووي الجديد للنوع الجديد . لكن الواقع هو أن هذا لم يثبت حدوثه ولا حتى مرة واحدة في تاريخ العلم . وبالتالي تظل الداروينية مجرد نظرية أو فرضية وليست حقيقة علمية ، أما من الناحية الرياضية الإحصائية فهي لا تبلغ حتى مبلغ النظرية ، بل هي أضغاث أحلام !
فإذا جاء أحدهم واستغل الأدلة والأمثلة على وقوع التطور الصغير ليبرهن بها على صحة نظرية داروين ، فهو إما جاهل جهلاً عميقًا أو متعمد للكذب والخداع ؛ فإنه لا يوجد دليل علمي واحد على صحة التطور ولا يوجد مثال واحد له في الطبيعة أو حتى في المعمل . فضلاً عن هذا ، فإنه إذا زعم أحدهم أنه يوجد دليل على التطور الكبير فإنه إما جاهل يهرف بما لا يعرف أو كذاب أشر ! أي شخص يسعى لتوظيف أمثلة التطور الصغير كأدلة على صحة الداروينية قبل اكتشاف الحمض النووي عام 1953 فهو معذور ، لأنه حتى هذا التاريخ لم يمكن التفرقة بين التطور الصغير والتطور الكبير ، ولأن فهم الفرق بين الاثنين يتطلب معرفة الحمض النووي DNA ، لكن بعد أعوام قليلة من اكتشاف الحمض النووي صار بالإمكان تعريف التطور الصغير والتطور الكبير وبيان الفرق بينهما . وعليه فإن داروين نفسه كان معذورًا في الخلط بين الاثنين واستخدام عصافير داروين كدليل على صحة التطور لأن الحمض النووي لم يكن قد اكتشف بعد .

مثال على التدليس :
تجارب لينسكي التي تناولناها سابقًا تتعامل فقط مع الكائنات وحيدة الخلية ، لكن ماذا عن الطفرات التي تقع في الكائنات المماثلة وتؤدي إلى اكتسابها مميزات في الصراع من أجل البقاء ؟
بالفعل قد تؤدي طفرة في الشريط الوراثي إلى نشوء ميزة إضافية للكائن الحي في الصراع من أجل البقاء ، لكنها لا تساهم بالضرورة في عملية التطور أو التطور الكبير لأنه لم تحدث إضافة لأي جينات جديدة أو مادة وراثية جديدة ، فشرط وقوع التطور الكبير هو استحداث مادة وراثية إضافية أو جينات إضافية للشريط الوراثي .
فعلى سبيل المثال ، إذا وجد العلماء أن حيوانًا ما قد اكتسب ميزة معينة تساعده في الصراع من أجل البقاء بين غيره من الحيوانات من نفس نوعه ، فقد يقولون إن هذا الحيوان قد تطور على النمط الدارويني ، فيخمن القارئ أو الطالب أن هذا يعني نشوء جين جديد أو مادة وراثية جديدة عن طريق طفرة عشوائية في الحمض النووي ، لكن هذا التخمين ليس في محله إطلاقًا .
فالحقيقة التي لا يتم ذكرها هو أنه لم يثبت في تاريخ العلم بأكمله أن نشأت ميزة إضافية لكائن حي عن طيرق طفرة أضافت جينًا جديدًا أو مادة وراثية جديدة للحمض النووي ، بل ما يحدث هو تغير في الحمض النووي ، مجرد تبدل في النيوكليوتيدات ، وليس إضافة ، فما يقع حقيقة هو فقد مادة وراثية عن طريق الطفرات .
لكن كيف يؤدي ضياع المادة الوراثية إلى اكتساب ميزة للكائن في صراع البقاء ؟ لنستوعب إجابة هذا السؤال دعونا نضرب مثالاً بحيوان وقعت له طفرة أدت إلى جعله عديم الشعر . في البلاد الحارة ستعتبر هذه ميزة يتفوق بها على غيره ، أما في البلاد الباردة فسوف تكون سببًا في هلاكه ! فهذه الميزة التي اكتسبها هذا الحيوان ليست بسبب مادة وراثية جديدة أو جين جديد ، بل بسبب ضياع مادة وراثية + الظروف البيئية ، فهذا ليس مثالاً على التطور عن طريق اكتساب جينات جديد . أو بمعنى آخر فهذا المثال إنما يشير إلى طفرة مدمرة أدت إلى حدوث ميزة للبقاء بسبب ظروف البيئة المحيطة . لأجل هذا يجب أن يتسلح القارئ بالفهم والمعرفة الكافيين للتمييز بين التطور الصغير و التطور الكبير والأمثلة عليهما .

ليست هناك تعليقات :

تسمية 2

تسمية 3

تسمية 4