تسمية 1

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

سلسلة : نظرية التطور ، رؤية نقدية (3) التطور الكبير



التطور الكبير
Macroevolution

من العسير في الحقيقة وضع تعريف للتطور الكبير نظرًا لأنه لم يسبق رصده أو رؤيته في الطبيعة أو حتى في معامل الاختبار . التطور الكبير عبارة عن مفهوم نظري افتراضي يشير إلى نشوء أنواع جديدة ، أي: نشوء تركيب جديد ومختلف للحمض النووي ، ويفترض العلماء التطوريون أن التطور الكبير قد وقع ملايين المرات على كوكب الأرض ، لكنهم لم يسبق لهم رؤيته يقع سواء في الطبيعة أو في المعمل . فهم في حقيقة الأمر لا يدرون كيف حدث ، كل ما في الإمكان هو تخمين كيف يمكن أن يكون قد حدث ، وهذا بالطبع لا يعني أنه حقيقة .
الاحتمال الأول هو أن التطور الكبير يحدث عن طريق حدوث طفرة في الحمض النووي الخاص بأحد الأبوين أو كلاهما ، مما أدى إلى نشوء أبناء ذوي حمض نووي متطفر ومختلف وجديد تمامًا وقابل للحياة ، أي: نوع جديد بتركيب جديد للحمض النووي . وهذا هو السيناريو الأشهر بين التطوريين لتفسير كيفية نشوء نوع جديد أو تركيب جديد للحمض النووي عن طريق التطور الكبير . لكنه لم يسبق أن رصده أو لاحظه أحدٌ من قبل .
الاحتمال الثاني هو أن يحدث التطور الكبير عن طريق تزاوج ذكر وأنثى من نفس النوع لكن الابن ليس من نفس نوع أبويه بسبب حدوث طفرة في تركيب الحمض النووي الخاص به بعد حدوث التخصيب ، بالإضافة إلى هذا سيكون الابن قادرًا على الانجاب . لكن للأسف لن يكون هناك حيوان آخر قابل للتزاوج معه يحمل نفس تركيب الحمض النووي .
الاحتمال الثالث هو أن يحدث التطور الكبير عن طريق تزاوج ذكر وأنثى من نوعين مختلفين لكن متقاربان جدًا ، مما يؤدي إلى نشوء أبناء بتركيب حمض نووي جديد ونشوء نوع جديد . وفي هذه الحالة سيكون الابن قادرًا فقط على التزاوج من أقرانه الذين يملكون نفس الطفرة لا غير .

ما الذي يجمع هذه الاحتمالات الثلاثة ؟ فيها جميعًا لابد من نشوء تركيب جديد للحمض النووي ! بخصوص الأنواع التي تحوي ذكرًا وأنثى ، فإن الحيوان الأول الذي يملك تركيب جديد للحمض النووي لن يجد من يتزاوج معه إلا ربما ابن آخر لنفس الأبوين . أما في حالة الاحتمال الثاني فإنه من المستحيل تقريبًا أن ينشأ نوع جديد ؛ لأن الحيوان الأول لن يجد من يتزاوج معه نظرًا لوقوع الطفرة والتغير في تركيب الحمض النووي بعد الإخصاب . وبالطبع لن يحل التوائم المتماثلة هذه المشكلة لأنهم سيكونون من نفس الجنس ذكرانًا أو إناثًا .
ثم هناك نقطة أخرى محورية وهي أن الحمض النووي الجديد لابد أن يحوي على الأقل جينًا واحدًا جديدًا ، وأن يكون فاعلاً ، أي يقوم بخلق بروتين جديد نافع ومفيد وظيفيًا . وهذا هو السبب الرئيسي في استحالة وقوع التطور الكبير ؛ لأنه لا يكفي أن يوجد جين جديد مميز من النيوكليوتيدات فقط ، بل لابد أن يملك القدرة على تكوين بروتينات ذات وظيفة جديدة إضافية للكائن الحي .
نحن إذن بحاجة إلى جين واحد فقط لتجوز تسمية الابن بأنه نوع جديد ، ولن يكون نوعًا جديدًا حتى تكون له وظائف جديدة ، والوظائف الجديدة تتطلب جينات جديدة أو جينًا جديدًا واحدًا على الأقل . وإن لم يحتو التركيب الجديد للحمض النووي على جين جديد واحد على الأقل ، فلن نعتبره نوعًا جديدًا ، بل مجرد طفرة لا نوع جديد . فإنه لا يكون نوعًا جديدًا إلا إذا أضيف إليه جين جديد مما يعني أن يكون الشريط الوراثي أطول .
يضاف إلى كل هذا أن نشوء نوع جديد قادر على الإنجاب ويحوي تركيبًا جديدًا للحمض النووي أمرٌ لم يسبق رصده بواسطة أي من العلماء ، وبالتالي فهذه الاحتمالات كلها افتراضات نظرية لا أكثر . بمعنى آخر ؛ فإنه لم يسبق لأحد من العلماء أن شاهد نشوء أي نوع جديد سواء في الطبيعة أو في المعمل عن طريق أي من هذه الوسائل . فنحن إذا اعتبرنا أن نشوء نوع جديد يعني نشوء حمض نووي جديد مما يتطلب نشوء جين واحد على الأقل ، ففي هذه الحالة تكون كل هذه الاحتمالات نظرية لا أكثر لأنه لم يسبق حدوثها لا في الطبيعة ولا في المعمل . وسنرى عند تناول المشاكل الرياضية المرتبطة بحدوث التطور الكبير أن القضية كلها أوهام وضلالات .

في حالة الاحتمال الأول تحدث الطفرات قبل التزاوج ، أما في حالة الاحتمال الثاني فتقع في الأبناء بعد التزاوج ، أما في الحالة الثالثة فالتوعان مختلفان أصلاً لكنهما متقاربان جينيًا ، فهما يتزاوجان وينجبان أبناء أحياء .
الفكرة المحورية في التطور الكبير هي نشوء تركيب جديد للحمض النووي فيه على الأقل جين واحد جديد ونافع وفعال وظيفيًا ، أي: بروتين وظيفي واحد أو أكثر . كذلك سيكون من المطلوب أن يكون الحمض النووي الجديد أكبر في الطول من القديم بسبب إضافة الجين الجديد . ولنضع في اعتبارنا أنه في حالة التطور الصغير فإنه لم يؤد أبدًا إلى نشوء نوع جديد بمعنى أنه لم يؤد إلى نشوء تركيب جديد للحمض النووي . أما في حالة التطور الكبير ، فإن هناك دومًا تركيب جديد للحمض النووي ، مما يعني وجود جينات جديدة أو أطول في تتابع النيوكليوتيدات .
نفهم من هذا ان طول الحمض النووي في حالة التطور الكبير سيزداد عما كان عليه في الآباء . من الناحية النظرية يمكن أن يكون أقصر ، لكن التطوريين يقولون إن الأبناء يكونون أرقى وأفضل من الآباء مما يتطلب وجود ميزات إضافية ، أي: جينات إضافية .
لم يسبق لأحد من التطوريين أن تكلم عن نشوء أنواع أدنى من آبائها عن طريق التطور ، بل الحقيقة أنه لم يسبق لأحد أن شاهد أو رصد نشوء نوع جديد أصلاً عن طريق التطور ! لكنهم مع هذا يزعمون أن الأنواع الجديدة تكون أرقى من أسلافها ، وبالتالي فنحن نتوقع أن يكون الشريط الوراثي أطول لاحتوائه على المزيد من الجينات الجديدة التي تضيف ميزات إضافية جديدة للنوع الجديد .

وكما أوضحنا سالفًا فإن الكلام عن التطور الكبير يدور كله في إطار نظري محض طالما لم يسبق لأحد رصده . ومن هذه الجهة فإن من غير المحتمل أن تؤدي أي حالة من هذه الاحتمالات إلى نشوء ذرية قادرة على الإنجاب والتكاثر والاستمرار ، وهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في هذا المقال .

-        من الناحية العملية :
بعيدًا عن المشاكل الإحصائية بخصوص وقوع نفس الطفرات في كل من الذكر والأنثى ، هناك مشاكل عملية ؛ فالحمض النووي موجود في كل الخلايا الحية ، كل حيوان وكل نبات يحوي الحمض النووي المميز له في خلاياه بحيث تحوي خلايا الكائن نفس الحمض النووي . لكن ما الفرق بين هذه الخلايا داخل الكائن الواحد ؟ الفرق هو الجينات التي يتم تفعليها ، فهي تختلف من خلية لأخرى ، فالجينات الفعالة في الخلية العصبية تختلف عن الجينات الفعالة في خلايا الكبد تختلف عن الجينات الفعالة في خلايا القلب ، وهكذا ..
معظم هذه الخلايا ليس لها علاقة بعملية التزاوج والتكاثر ، أما الخلايا المتخصصة في عملية التكاثر فهي الخلايا التي سيكون حمضها النووي مؤثرًا في الأجيال التالية . فالخلية الموجودة في الجلد أو في القلب أو في المخ لن يكون لها دورٌ في التزاوج ، وبالتالي لن تؤثر أي طفرة فيها في الأجيال التالية حتى لو كانت طفرة مفيدة ونافعة وظيفيًا . فلكي ينشأ نوع جديد لابد أن تقع الطفرة أو الطفرات في العدد المحدود من الخلايا المختصة بعملية التكاثر ، فمن بين كل خلايا الجسم فإن نخبة قليلة ونادرة من الخلايا هي التي لابد أن تقع فيها الطفرات الصحيحة لكي تنقلها إلى الجيل القادم . فلو حتى وقعت هذه الطفرات في خلية بالجلد أو القلب أو الطحال أو أي خلية اخرى غير مختصة بالتكاثر ، فلن يكون لها أي تأثير على الجيل القادم .

لنقولها بطريقة أخرى : في الأنواع المشتملة على ذكر وأنثى لابد أن تقع نفس الطفرة أو الطفرات في الحيوان المنوي الذكري والبويضة الأنثوية اللذين سيتم وقوع التزاوج أو التخصيب بينهما (وليس في أي حيوان منوي وأي بويضة) حتى تظهر الطفرة في الجيل التالي . وهذا يعني أنه من بين كل الخلايا القادرة على التكاثر (الحيوانات المنوية والبويضات) لابد أن تقع الطفرة في الحيوان المنوي المعين والبويضة المعينة اللذين سيتم تزاوجهما وليس غيرهما . فهل هذه الكيفية الموغلة في الندرة واللااحتمالية هي التي يمكن أن تكون الآلية الطبيعية لنشوء الأنواع الجديدة ؟

-        تعقيد الخلية :
وظيفة الجينات هي تخليق البروتين ، ويقوم الحمض النووي البشري – على سبيل المثال – بتخليق آلاف البروتينات المختلفة عن طريق الجينات ، هذه البروتينات إما تدخل في تركيب الخلية أو يكون لها أدوار وظيفية . ما يحدث داخل الخلية عبارة عن تفاعلات موغلة في التعقيد ، والعلماء يفنون أعمارهم في تعلم جزء يسير مما يحدث داخل الخلية ، فمن السخيف إحصائيًا أن تنشأ جينات جديدة من النوع الذي يضيف ميزات أو وظائف جديدة للخلية بهذه الطريقة العشوائية .
ولكي نفهم هذا الأمر بطريقة أفضل دعونا نفكر في عملية إضافة جين جديد يقوم بتخليق بروتين جديد ليحسن من تعقيد ووظائف بروتينات الخلية المتداخلة والمتشابكة العلاقات كمثل إضافة قطعة معدنية جديدة في ساعة حائط متوقعين أن تجعلها تعمل بطريقة أفضل . الفكرة هنا أن تروس الساعة مصممة لكي تعمل معًا بشمل متكامل ، فكيف يمكن لقطعة معدنية إضافية أن تعشق بنجاح معها بشكل صحيح وتساهم في تحسين عمل التروس المتكاملة في الساعة ؟ إنها ستكون كالرجل غير المناسب في المكان غير المناسب ، ستكون قطعة غير مناسبة في مكان شيء كان يعمل بطريقة جيدة .
على نفس المنوال فإن البروتينات داخل الخلية مصممة لتعمل بشكل جماعي متكامل ، وإضافة أي بروتين جديد عن طريق جين جديد سيضر أكثر مما ينفع ، وفي الحقيقة فإن ما يحدث داخل الخلية أعقد بمراحل مديدة مما يحدث داخل ساعة الحائط .

حتى الآن نحن وصلنا لإدراك حقيقة أن النوع المشتمل على ذكر وأنثى من المستبعد أن يقع فيه التطور الكبير عن طريق بعض الصدف السعيدة التي لابد أن تقع في نفس الذكر والأنثى وفي الخلايا الصحيحة وفي نفس الوقت ، وهذه البروتينات الجديدة لابد أن تكون مفيدة ونافعة . طبعًا من غير المعقول أن نصدق أن هذا يمكن أن يقع مرة واحدة ، فضلاً عن أن يقع ملايين المرات على هذا الكوكب . الشيء المؤكد أن هذا السيناريو المستحيل لو وقع سيبدأ النوع الجديد من أخ وأخته ، فهذا هو أقرب شيء لوقوع منظومتان متماثلتان من الطفرات ، لكن هذا طبعًا لا يمكن تصوره إلا يقدر كبير من الخيال الواسع جدًا .

ليست هناك تعليقات :

تسمية 2

تسمية 3

تسمية 4