علاقة الرجل والمرأة - نظرة فلسفية
بسم الله .. والحمد لله ..
من مزايا الإسلام أنه لا يأتي بقانون إلا ويشير بنفسه إلى حكمته أيضًا ؛ فالقانون الذي جاء به لضبط العلاقة بين الرجل والمرأة قد بين بنفسه ما ورائه من حقائق الفطرة وأصول الحكمة .
وأولى هذه الحقائق هي قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين) سورة الذاريات: 49. فتشير الآية إلى عموم القانون الزوجي وشموله . ويعلن صانع هذا الكون سر صناعته ، فيقول إنه خلق هذا الكون على قاعدة الزوجية ، أي أن جميع آلاته وماكيناته قد خلقت أزواجًا ، وكل ما يرى من بدائع الصنع في الخليقة إنما يعود إلى طبيعة المزاوجة بين الأشياء .
ولنتدبر ما هي الزوجية: إن الزوجية هي في الحقيقة عبارة عن أن يكون شيء متصفًا بالفعل وآخر متصفًا بالقبول والانفعال ، ويكون في أحدهما التأثير وفي الآخر التأثر ، وهي هذا العقد وفي ذاك الانعقاد .
وهذا الفعل والانفعال والتأثير والتأثر والعقد والانعقاد بين الشيئين هو علاقة الزوجية بينهما . وهذه العلاقة هي أساس تركيب الأشياء في العالم .
وعلى هذا التركيب يجري نظام الكون ، فكل شيء في هذا الكون قد خلق زوجين وصنفين في طبقة . وكل زوجين من الأزواج يرتبطان -من حيث المبدأ والأصل- بهذه العلاقة الزوجية التي يكون أحدهما فيه فاعلاً والآخر قابلاً ومنفعلاً . ولا ريب أنه تختلف كيفية هذه العلاقة باختلاف طبيعة المخلوقات ؛ فما بين أزواج الجمادات يختلف عما بين أزواج النباتات والحيوانات على تنوعها .. وكل هذه الأنواع من المزاوجة تختلف في نوعيتها وكيفيتها ومقاصدها الفطرية ، ولكنها تتفق في أصل الزوجية وجوهرها .
ولتحقيق مقصود الفطرة الأصلي في كل أنواع الوجود لابد أن يكون أحد الزوجين متصفًا بقوة الفعل والآخر بقوة الانفعال .
فإذا تقرر هذا المفهوم ، يمكننا أن نستنبط ثلاثة مباديء للقانون الزوجي:
أولاً:
أن الدستور الذي خلق الله تعالى عليه الكون لا يمكن أن يكون نجسًا مكروهًا ، بل هو من حيث الأصل والجوهر نظيف محترم ، وهكذا ينبغي أن يكون . وقد يخالفه أعداء هذا النظام ويتجنبونه زاعمين أنه بشع ممقوت ، ولكن الخالق الباريء لم يكن ليريد أن يقف الكون وتتعطل حركته ، وإنما مشيئته أن يبقي جاريًا في عمله قائمًا بوظائفه .
ثانيًا:
أن صفتي الفعل والانفعال كليهما لازم لتسيير هذا النظام ، ولوجود الفاعل والمنفعل أهمية متساوية في هذا الكون . ولا فضل للفاعل على المنفعل من حيث هو فاعل ، ولا منقصة للمنفعل عن الفاعل من حيث هو منفعل . وكمال الفاعل أن تكون فيه قوة الفعل وصفات الفاعلية على أتمها حتى يستطيع القيام بواجبات الخدمة الزوجية . كذلك كمال المنفعل أن تكون فيه قوة الانفعال وكيفيته على أتمها لكي يحسن بالجانب القبولي والانفعالي للزوجية .
والمرء إن أراد إزالة جزء من أجزاء ماكينة صغيرة لاستخدامه في أمر آخر لم يصنع له كان في نظر الناس سفيهًا أحمق ، وكان من اللائق أن يفشل في محاولته ، وإن بذل كل مجهوده !
كذلك حال ماكينة الوجود الضخمة ، فإن أهل السفه والحماقة قد تحدثهم أنفسهم بأن يضعوا الجزء الفاعل منها مكان الجزء المنفعل ، أو يضعوا الجزء المنفعل مكان الفاعل ، ثم هم يمعنون في حماقتهم ويتمادون إلى أن يسعوا لتحقيق ذلك بكل السبل والوسائل ويأملوا النجاح في مسعاهم !
لكن صانع هذه الماكينة ما كان ليفعل مثل فعلهم ، وإنما شريعته أن يضع الجزء الفاعل موضع الفعل إلى الأبد ويربيه حسب ذلك ، ويضع الجزء المنفعل موضع الانفعال إلى الأبد وينمي فيه الملكة الانفعالية لا أكثر .
ثالثًا:
أنه مما لا شك فيه أن الفعل فيه نوع من التميز على الانفعال ، لكن ليس من معاني ذلك أن يكون مع الفعل العز ومع الانفعال الذل ، إنما هذا التميز من ناحية القوة والغلبة والتأثير . فأي شيء يفعل فعلاً في شيء آخر فهو يتميز عليه لكونه غالبًا عليه وأقوى منه ، ولأنه له قوة في التأثير عليه ، والشيء الذي يقبل فعله وينفعل به فما علة قبوله وانفعاله إلا كونه مغلوبًا وضعيفًا ومستعدًا للتأثر به .
وكما أن حدوث الفعل يستلزم وجود الفاعل والمنفعل ، فإنه لو كان كلاهما متساويًا في القوة والفعل والتأثير ولم تكن لأحدهما غلبة على الآخر لانتفى حدوث الفعل ، فالثوب إن كان فيه من الصلابة والقوة ما للابرة لانتفى فعل الخياطة ، والأرض إن لم يكن فيها ما فيها من اللين والطراوة لم تقبل فعل الحرث والزراعة .
ومحصل القول هو أن كل ما يقع في هذه الدنيا من الأفعال لا يمكن أن يحدث لو لم يكن مقابل كل فاعل منفعل ، ولو لم تكن في المنفعل قابلية للتأثر بفعل الفاعل .. لهذا كان من مقتضى الفطرة أن يكون في الفاعل من الغلبة والشدة والتحكم ما يمكنه من القيام بوظيفته كأداة فاعلة . وعلى العكس ، من مقتضى الطبع الانفعالي في الطرف المنفعل أن يكون فيه من اللين والرقة والنعومة والتأثر ما يمكنه من النجاح في الجانب الانفعالي .
والذين لا يعرفون هذا السر هم فريقان:
فريق يحسب فضيلة الفاعل هي العز والكرامة ، ويعتبر المنفعل ذليلاً مهانًا ! فتراهم يجورون على حقوق الجانب المنفعل من ناحية الكرامة والتربية وغيرهما .
وفريق آخر ينكر تمامًا فضيلة الفاعل ، ويريد أن يحدث في المنفعل تلك الصفات التي يجب أن تكون في الفاعل بدعوى المساواة !
لكن الصانع الحكيم الذي صنع الجزئين ينصبهما في ماكينته على نحو يضمن لهما المساواة في العز والكرامة والعناية والتربية كما يضمن أن تنشأ فيهما صفات الغالبية والمغلوبية اللتان يقتضيهما الطبع والفطرة لتحقيق غاية المزاوجة ، وإلا كانا كحجرين متساويين قد يحتك أحدهما بالآخر لكن لا يمكن أن يحدث منهما امتزاج أو تركيب .
هذه هي المباديء التي تستنبط من مفهوم الزوجية ، وإن مجرد كون الرجل والمرأة زوجين يقتضي مراعاة هذه المباديء فيما بينهما من صلات ، وقد جاء التشريع الإسلامي بمراعاة هذه المباديء الثلاثة كاملة .
والحمد لله أولاً وآخرًا .
من مزايا الإسلام أنه لا يأتي بقانون إلا ويشير بنفسه إلى حكمته أيضًا ؛ فالقانون الذي جاء به لضبط العلاقة بين الرجل والمرأة قد بين بنفسه ما ورائه من حقائق الفطرة وأصول الحكمة .
وأولى هذه الحقائق هي قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين) سورة الذاريات: 49. فتشير الآية إلى عموم القانون الزوجي وشموله . ويعلن صانع هذا الكون سر صناعته ، فيقول إنه خلق هذا الكون على قاعدة الزوجية ، أي أن جميع آلاته وماكيناته قد خلقت أزواجًا ، وكل ما يرى من بدائع الصنع في الخليقة إنما يعود إلى طبيعة المزاوجة بين الأشياء .
ولنتدبر ما هي الزوجية: إن الزوجية هي في الحقيقة عبارة عن أن يكون شيء متصفًا بالفعل وآخر متصفًا بالقبول والانفعال ، ويكون في أحدهما التأثير وفي الآخر التأثر ، وهي هذا العقد وفي ذاك الانعقاد .
وهذا الفعل والانفعال والتأثير والتأثر والعقد والانعقاد بين الشيئين هو علاقة الزوجية بينهما . وهذه العلاقة هي أساس تركيب الأشياء في العالم .
وعلى هذا التركيب يجري نظام الكون ، فكل شيء في هذا الكون قد خلق زوجين وصنفين في طبقة . وكل زوجين من الأزواج يرتبطان -من حيث المبدأ والأصل- بهذه العلاقة الزوجية التي يكون أحدهما فيه فاعلاً والآخر قابلاً ومنفعلاً . ولا ريب أنه تختلف كيفية هذه العلاقة باختلاف طبيعة المخلوقات ؛ فما بين أزواج الجمادات يختلف عما بين أزواج النباتات والحيوانات على تنوعها .. وكل هذه الأنواع من المزاوجة تختلف في نوعيتها وكيفيتها ومقاصدها الفطرية ، ولكنها تتفق في أصل الزوجية وجوهرها .
ولتحقيق مقصود الفطرة الأصلي في كل أنواع الوجود لابد أن يكون أحد الزوجين متصفًا بقوة الفعل والآخر بقوة الانفعال .
فإذا تقرر هذا المفهوم ، يمكننا أن نستنبط ثلاثة مباديء للقانون الزوجي:
أولاً:
أن الدستور الذي خلق الله تعالى عليه الكون لا يمكن أن يكون نجسًا مكروهًا ، بل هو من حيث الأصل والجوهر نظيف محترم ، وهكذا ينبغي أن يكون . وقد يخالفه أعداء هذا النظام ويتجنبونه زاعمين أنه بشع ممقوت ، ولكن الخالق الباريء لم يكن ليريد أن يقف الكون وتتعطل حركته ، وإنما مشيئته أن يبقي جاريًا في عمله قائمًا بوظائفه .
ثانيًا:
أن صفتي الفعل والانفعال كليهما لازم لتسيير هذا النظام ، ولوجود الفاعل والمنفعل أهمية متساوية في هذا الكون . ولا فضل للفاعل على المنفعل من حيث هو فاعل ، ولا منقصة للمنفعل عن الفاعل من حيث هو منفعل . وكمال الفاعل أن تكون فيه قوة الفعل وصفات الفاعلية على أتمها حتى يستطيع القيام بواجبات الخدمة الزوجية . كذلك كمال المنفعل أن تكون فيه قوة الانفعال وكيفيته على أتمها لكي يحسن بالجانب القبولي والانفعالي للزوجية .
والمرء إن أراد إزالة جزء من أجزاء ماكينة صغيرة لاستخدامه في أمر آخر لم يصنع له كان في نظر الناس سفيهًا أحمق ، وكان من اللائق أن يفشل في محاولته ، وإن بذل كل مجهوده !
كذلك حال ماكينة الوجود الضخمة ، فإن أهل السفه والحماقة قد تحدثهم أنفسهم بأن يضعوا الجزء الفاعل منها مكان الجزء المنفعل ، أو يضعوا الجزء المنفعل مكان الفاعل ، ثم هم يمعنون في حماقتهم ويتمادون إلى أن يسعوا لتحقيق ذلك بكل السبل والوسائل ويأملوا النجاح في مسعاهم !
لكن صانع هذه الماكينة ما كان ليفعل مثل فعلهم ، وإنما شريعته أن يضع الجزء الفاعل موضع الفعل إلى الأبد ويربيه حسب ذلك ، ويضع الجزء المنفعل موضع الانفعال إلى الأبد وينمي فيه الملكة الانفعالية لا أكثر .
ثالثًا:
أنه مما لا شك فيه أن الفعل فيه نوع من التميز على الانفعال ، لكن ليس من معاني ذلك أن يكون مع الفعل العز ومع الانفعال الذل ، إنما هذا التميز من ناحية القوة والغلبة والتأثير . فأي شيء يفعل فعلاً في شيء آخر فهو يتميز عليه لكونه غالبًا عليه وأقوى منه ، ولأنه له قوة في التأثير عليه ، والشيء الذي يقبل فعله وينفعل به فما علة قبوله وانفعاله إلا كونه مغلوبًا وضعيفًا ومستعدًا للتأثر به .
وكما أن حدوث الفعل يستلزم وجود الفاعل والمنفعل ، فإنه لو كان كلاهما متساويًا في القوة والفعل والتأثير ولم تكن لأحدهما غلبة على الآخر لانتفى حدوث الفعل ، فالثوب إن كان فيه من الصلابة والقوة ما للابرة لانتفى فعل الخياطة ، والأرض إن لم يكن فيها ما فيها من اللين والطراوة لم تقبل فعل الحرث والزراعة .
ومحصل القول هو أن كل ما يقع في هذه الدنيا من الأفعال لا يمكن أن يحدث لو لم يكن مقابل كل فاعل منفعل ، ولو لم تكن في المنفعل قابلية للتأثر بفعل الفاعل .. لهذا كان من مقتضى الفطرة أن يكون في الفاعل من الغلبة والشدة والتحكم ما يمكنه من القيام بوظيفته كأداة فاعلة . وعلى العكس ، من مقتضى الطبع الانفعالي في الطرف المنفعل أن يكون فيه من اللين والرقة والنعومة والتأثر ما يمكنه من النجاح في الجانب الانفعالي .
والذين لا يعرفون هذا السر هم فريقان:
فريق يحسب فضيلة الفاعل هي العز والكرامة ، ويعتبر المنفعل ذليلاً مهانًا ! فتراهم يجورون على حقوق الجانب المنفعل من ناحية الكرامة والتربية وغيرهما .
وفريق آخر ينكر تمامًا فضيلة الفاعل ، ويريد أن يحدث في المنفعل تلك الصفات التي يجب أن تكون في الفاعل بدعوى المساواة !
لكن الصانع الحكيم الذي صنع الجزئين ينصبهما في ماكينته على نحو يضمن لهما المساواة في العز والكرامة والعناية والتربية كما يضمن أن تنشأ فيهما صفات الغالبية والمغلوبية اللتان يقتضيهما الطبع والفطرة لتحقيق غاية المزاوجة ، وإلا كانا كحجرين متساويين قد يحتك أحدهما بالآخر لكن لا يمكن أن يحدث منهما امتزاج أو تركيب .
هذه هي المباديء التي تستنبط من مفهوم الزوجية ، وإن مجرد كون الرجل والمرأة زوجين يقتضي مراعاة هذه المباديء فيما بينهما من صلات ، وقد جاء التشريع الإسلامي بمراعاة هذه المباديء الثلاثة كاملة .
والحمد لله أولاً وآخرًا .
ليست هناك تعليقات :